اعتكاف الحريري بقاعياً يقوِّي القوات ضد العونيين وحزب الله؟
كتبت لوسي بارسخيان في المدن:
يتم وتجمعات
وفيما كان الرئيس سعد الحريري يواصل لقاءاته التمهيدية لإطلاق موقفه الرسمي في الساعات المقبلة، أخذ مناصروه في البقاع المبادرة في "تطييب" خاطره، عبر دعوات وجهت إلى جمهور تيار المستقبل، لتنفيذ تجمعات شعبية تتصدى لقرار الحريري المرتقب بالعزوف عن المشاركة بالانتخابات، كما جاء في أحد الدعوات التي وجهتها لجنة "إعلامية" باسم تيار المستقبل عبر تطبيق واتساب، محذرة من "خطورة هذه الخطوة على الصعيد الوطني، في ظل الظرف الصعب والدقيق الذي تمر به البلاد".
بعيداً عن حجم المشاركة في التجمعات الشعبية، التي اعترضتها أيضاً الظروف المناخية، نجح موقف الحريري "الصادم" لجمهوره، بإعادة شد العصب السني، وخصوصاً في معاقله البعيدة عن بيروت. بعد حالة من "اليتم" التي يشكو منها سنة البقاع تحديداً، وخصوصاً عندما خرج الرئيس سعد الحريري منفرداً من السلطة، استجابة لنبض الشارع الذي طالب بإسقاط "المنظومة السياسية كلها" إثر ثورة 17 تشرين 2019.
شركاء في الشرذمة
والواقع أن الإحباط السني، في البقاع الذي رفد تيار المستقبل بقوة شعبية وازنة شكلت دعامته في استحقاقات عدة منذ استشهاد رفيق الحريري، كان قد ترجم خيبة أمل، خصوصاً في القرى السنية التي اكتسبت رمزية خاصة منذ سنة 2006 حتى الآن: كعرسال مثلا، التي دفع أهلها الثمن الأغلى عن سنة لبنان عموماً، والطفيل في محافظة بعلبك وحتى في مدينة بعلبك. وإلى قرى الشريط السني الممتد بين سعدنايل وتعلبايا وبرالياس ومجدل عنجر في البقاع الأوسط، وصولاً إلى معظم قرى البقاع الغربي، التي اختبرت آخر فصول "يتمها" خلال مشكلة الكهرباء المستفحلة، ما وضع هذه القرى السنية في مرمى التقاذف الإعلامي والسياسي بين التيار العوني ونائب رئيس مجلس النواب إيلي الفرزلي.
ولا شك في أن تيار المستقبل يتحمل مسؤولية الشرذمة والإرباك لدى جمهوره، سواء استقال من السلطة أو لم يستقل. وحسب "العاتبين" على التيار في البقاع، فإن نواب المنطقة السنة شركاء في التسبب وشرذمة صفوفهم. خصوصاً أنهم بقوا دون مستوى طموحات الناخبين، الذين صوتوا لهم "على العميانة" نصرة لتيارهم.
استراتيجية بعيدة الأمد؟
أما ما سرب عن الرئيس الحريري مؤخراً، فيرى مراقبون بقاعيون أنه يسهم بلملمة جزء كبير من جمهوره "العاتب" في البقاع، الأمر الذي يعتقد أنه كان الهدف المطلوب.
ومن هنا يضع البعض اعتكاف الحريري عن خوض الانتخابات المقبلة في إطار الاستراتيجيات البعيدة الأمد، والتي يمكنها أن تشحن تيار المستقبل بتعاطف شعبي، ربما يساعده على استثماره في استحقاقات لاحقة.
ويرى هؤلاء في الاعتكاف فرصة لخلق حالة شبيهة للحالتين العونية والقواتية خلال مرحلة احتلال النظام السوري لبنان، والذي سمح لكل منهما باستعادة دوره في مرحلة خروج جيشه من لبنان، ليتحولا إلى "تسونامي" حصرت الزعامة المسيحية بهما، حتى بعد اندلاع الأزمة الاقتصادية. وترجمت تأييداً أعمى لهما في زحلة ومعظم قرى شريط السلسلة الشرقية التي كانت تميل إلى التيارات اليسارية في مرحلة سابقة.
ولكن ماذا لو كان قرار الحريري لا يحمل مناورة سياسية، وهو متجه فعلا لإعلان "مقاطعة" الانتخابات المقبلة كـ"زعيم" وتيار؟ لا شك أن تيار المستقبل ضيع في المرحلة الحالية فرص الاستثمار بتعاطف جمهوره الذي كان سيسمح له بأن يشكل حالة "تسونامي" شعبية في أكثر من دورة انتخابية.
تهديد للمسيحيين
لكن اختفاء "المستقبل" من اللعبة الانتخابية المقبلة، لا تعني أن تداعيات قرار الحريري تبقى محصورة في البقاع ببيئته السنية، وإن كان انعكاسها الأوضح مرتقباً على سنة الأطراف حيث يشكل أبناء الطائفة أقلية.
ففي بعلبك مثلا يعرب كثيرون عن خشيتهم من أن يحل بهم ما حل بمسيحي المحافظة. وخصوصا مدينة بعلبك التي هجرها أهلها المسيحيون على مر عقود من محاولات تغيير الوجه الديمغرافي للمنطقة.. على نحو ما عاد كثيرون يتكبدون حتى عناء التوجه للمحافظة للإدلاء بصوتهم يوم الانتخابات. علما أن الانتخابات الأخيرة سنة 2018، شكلت جرعة أمل، سواء للطائفة المسيحية أو السنية، وأعطتهما الدافع لمحاولة استعادة صوتهما في المحافظة من خلال قانون انتخابي سمح بإحداث خرقين: الأول للقوات اللبنانية التي أوصلت نائبها أنطوان حبشي من بلدة دير الأحمر، والثاني لتيار المستقبل الذي أوصل إلى البرلمان النائب بكر الحجيري من بلدة عرسال. ومع خروج المستقبل من المعركة يصبح حتى مستقبل المقعد الماروني الذي غنمته القوات اللبنانية في المحافظة على المحك.
غياب السنة؟
في البقاعين الأوسط والغربي، حيث القوة الوازنة للطائفة السنية، تترجم المفاعيل الفعلية لحالة الإحباط السني في الشارع البقاعي، والتي يبدو أن جذورها تمتد إلى ما قبل ثورة 17 تشرين، وترتبط بالتسويات التي عقدها تيار المستقبل، والتي جعلته يخسر أحد مقعديه السنيين في البقاع الغربي لمصلحة النائب عبد الرحيم مراد سنة 2018، ولا يصل نائبه في البقاع الاوسط عاصم عراجي إلا ضعيفاً.
لذا فإن الخشية، في حال قرر الحريري العزوف، من أن يخسر سنة البقاع كل مقاعدهم للطرف "الممانع" في المنطقة، أو أن يساء استخدام الصوت السني في البقاع، ليفتح شهية متمولين، يسعون لتغيير المعادلات بما يتناقض مع نبض الشارع السياسي، والذي يعبر عنه سنة البقاع تحديداً بدعوتهم إلى التصدي لمشروع إيران في لبنان.
وعزوف الحريري يخسِّر حزب الله عنواناً أساسياً من العناوين التي ساهمت بشحن العصب الشيعي في البقاع سابقاً، الأمر الذي، وإن انعكس سلباً على المشاركة الشيعية في هذه الانتخابات، فهو يسجل إيجابية لجهة إظهار موقف الشارع الشيعي الفعلي من قياداته ومدى استجابتها مع توجهاته في "الحالات الباردة" سياسياً.
إلا إذا قررت القوات اللبنانية تقديم نفسها كبديل عن ضائع لجمهور المستقبل، وعندها تتحول المعركة شيعية- مسيحية، يمكن أن تتورط فيها مدينة زحلة بتصويت مسيحي كثيف في مواجهة حزب الله ومشروعه في لبنان. ما يمكن أن ينعكس بشكل أساسي على التمثيل العوني في المدينة، بعد أن يحقق للقوات اللبنانية المكاسب التي تسعى إليها في هذه الدائرة.
فهل سيراعي الحريري كل هذه الحسابات لدى جمهور الأطراف عند اتخاذ قراره النهائي حول مشاركة تياره في الانتخابات المقبلة؟