الأحزاب والإنتخابات: "ما حدا مرتاح"
كتبت غادة حلاوي في نداء الوطن:
رغم اقتراب موعد الانتخابات النيابية المقبلة، وتقلّص المدة الفاصلة عنها إلى أقلّ من ثلاثة أشهر ونصف، إلا أن الراغبين في خوضها يبدون في غاية الإرتباك لا سيما على صعيد تشكيل اللوائح. تعيش الأحزاب الكبرى كافة حالاً من الترقب والتردد وتبدو مأزومة في اختيار مرشحيها أو الإفصاح عن أسمائهم، ويبدو أن الإعلان عن تحالفاتها سيكون آخر مراحل الاستعداد والتحضيرات للانتخابات التي ينظر إليها الكثيرون بأنها ستكون مفصلية وتغييرية على صعيد الحياة السياسية اللبنانية جرّاء النتائج المرتقبة، حتى أنّ بعض منظمات المجتمع المدني يواجه صعوبة في تشكيل لوائح مكتملة من خمسة أشخاص، وقد يكون مردّ ذلك أن التطورات السياسية والأحداث المتسارعة في لبنان جرّاء التردي الاقتصادي والانهيار المالي قد ألقت بثقلها على حماسة اللبنانيين والاهتمام بهذا الحدث والتعويل عليه في تغيير واقعهم من حال إلى حال.
أمّا ما يسمّى «قوى التغيير»، والتي تطمح نظرياً إلى تشكيل لائحتين انتخابيتين، تبدو عاجزة عن تشكيل لائحة واحدة. ويمكن اختصار المشكلة اليوم بعدم وجود مرشحين أقوياء، ولذا نرى جعجعة من غير طحين.
على سبيل المثال، يتحضّر ميشال معوض لتحالف يجمعه مع الكتائب على لائحة «تحالف المعارضة»، لكن المشكلة أن رأس اللائحة لم يجد شخصيات معارضة لها ثقلها الانتخابي للتحالف معها. المباحثات لا تزال محصورة بإمكانية سحب مرشح الكتائب لدعم ترشيح مجد بطرس حرب في البترون. وليس وضع الكورة أفضل حالاً وقد عجزت قوى المعارضة عن إيجاد مرشحين لثلاثة مقاعد لم يتأمّن إلا واحد من بينهم وهو متموّل يفتقد حيثية تمثيلية على أرض الواقع.
وفي بشري، لم يظهر من لائحة «الثورة» إلا المرشحة ليال بوموسى فيما يتم تداول أسماء لمرشحين غير معروفين في وسطهم، والمفارقة أن ثمة اتجاهاً لتشكيل لائحتين من الاتجاه السياسي ذاته، والضبابية ذاتها تنسحب على عكار.
عدم وجود مرشحين ناتج عن وجود أزمة حقيقية تعكس عدم ارتياح الناس للخيارات المتوافرة ولذا فهي لم تحسم خياراتها بعد. ولعلّها المرة الأولى التي تعجز استطلاعات الرأي عن التعرّف إلى ميول الناس الانتخابية والسبب بحسب خبير انتخابي أنّ غالبية 80 بالمئة ممن شملتهم الاستطلاعات لغاية اليوم لم يحسموا خياراتهم بعد، ويحجمون عن تسمية المرشح الذي يؤيدون وصوله إلى الندوة البرلمانية، وتنقسم الآراء بين المعارض للجميع أو الذي لا يزال ينتظر هوية المرشحين ممن يشكلون البديل الحقيقي عن الطبقة السياسية القائمة حالياً.
يشكل ضعف البديل المعارض وغياب المرشحين فرصة لأحزاب السلطة لترتاح الى وضعها فتنفذ من خلال ضعف الإقبال المتوقع على صناديق الاقتراع والذي قد لا يتجاوز 25 بالمئة إذا ما استمرّ تململ الناس على حاله. خلال الانتخابات الماضية شكّل التيار الوطني الحر الجهة التي تستقطب المرشحين، فكانوا يتزاحمون للتحالف معه والفوز على لوائحه في كل لبنان، لكن وضع التيار كغيره من الأحزاب لم يعد كسابق عهده، وتحالفاته لم ترسُ على خيار بعد، فيما الأحزاب الأرمنية لا تزال محتارة في أمر تحالفها مع المر، وما إذا كان سيتم التفاهم معه من جهة ومع التيار الوطني الحر من جهة أخرى.
وكما الأحزاب كذلك وضع المرشحين الأقوياء، فمثلا مرشح كالنائب المستقيل نعمت فرام لم يجد حتى اليوم أسماء يخوض معها المعركة على لائحة واحدة، وكذلك فريد هيكل الخازن، فهذه شخصيات لم تحسم أمر تحالفاتها بعد ولم تجد مرشحين يمكن أن تتقاسم معهم لائحة من خمسة أسماء.
من ناحية الطوائف، شكّل انسحاب الرئيس سعد الحريري نكسة لدى الطائفة السنية. نواب تيار المستقبل في حيرة من أمرهم. يرغب عدد منهم في التنصّل من قرار الاعتكاف وخوض المعركة متحالفاً مع قوى أخرى لكن من تكون تلك القوى؟
الحيرة تنسحب على الرئيس نجيب ميقاتي، والنائب فيصل كرامي وعبد الرحيم مراد وأسامة سعد ومحمد كبارة. حاليا يجهد النائب فؤاد مخزومي للفوز بنسبة من أصوات السنة لكن مع من سيخوض تحالفاته، وما سيكون عليه وضع الاحباش؟ أما السؤال الاساسي هنا فهو من سيترأس لوائح السنة في بيروت؟ ومن سيكون المرشح القوي؟
الأمر ليس مختلفاً لدى «الثنائي الشيعي»، إذ من غير المحسوم بعد ما إذا كان سيحافظ على الأسماء ذاتها أم سيكون له مرشحون جددٌ تماهياً مع الرغبة الشعبية في الجنوب والبقاع. وكيف سيتعاطى «حزب الله» مع السنّة فهل سيكون له مرشحون سنّة في كل المناطق؟ وماذا سيفعل في جبيل؟ وكيف سيوفّق بين حليفيه أمل والتيار الوطني الحر؟ ومسيحياً، هناك بعثرة مرشحين على تحالفات غير واضحة، وغياب أسماء مرشحين. تحالفات التيار الوطني الحر غير واضحة المعالم بعد، ترشيحاته لا تزال قيد الدرس، تحالفه مع تيار المردة شمالاً لم ينجح بعدما فشل «حزب الله» في إعادة الودّ بينهما. وفي بعبدا كيف سيتصرف التيار مع حركة أمل؟
أما درزياً، فليس معروفا بعد كيف سيتعامل رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي في الشوف حيث توجد نسبة اقتراع سنية وازنة، وفي عاليه خلطت رغبة القوات بالمرشح الماروني أوراق الاشتراكي الذي لم يأخذ بالحسبان ترشيح أرثوذكسي. ودرزياً أيضاً، كان يفترض حصول تحالف الوزير السابق وئام وهاب مع النائب طلال ارسلان والتيار الوطني الحر، لكن يبدو أن عقبات تواجه هذا التحالف فهل سيخوض وهاب معركته على لائحة يختار مرشحيها بنفسه؟
باختصار، تكمن مشكلة الثامن من آذار في تحالفاتهم، فيما لم تجد «قوى التغيير» مرشحين يلبون طموح الرأي العام. الجميع في حيرة من أمرهم انتخابياً. الأحزاب الكبرى غير مرتاحة الى وضعها، والأصغر منها بمن فيهم المرشحون المنفردون، وهم بانتظارها لتبني على الشيء مقتضاه.