"الأكثرية" تخاف الانتخابات النيابية والرئاسية: الفراغ القاتل
كتب منير الربيع في "المدن":
في ظل الاستعصاء السياسي القائم داخلياً، والتعقيدات المستمرة التي تحول دون إعادة تفعيل عمل الحكومة، تتركز كل الأنظار اللبنانية على لعبة إعادة تكوين السلطة. وتشكل الانتخابات النيابية المدخل الطبيعي والبديهي للعبة إعادة تكوين السلطة، من خلال استعادة كسب الشرعية للسلطات المتعددة، بعد ثورة 17 تشرين. لكن طبعاً لا أحد يعوّل على تغيير جذري أو على انعطاف سياسي جدّي وتطوري من جراء هذه الإنتخابات. فالرهانات الثابتة تتركز على إعادة إنتاج الطبقة السياسية نفسها، على الرغم من الخسائر التي ستمنى بها، والتراجعات التي ستسجلها، في مقابل تحقيق اختراقات لقوى مستقلة. والمجتمع الدولي يولي أهمية استثنائية للاستحقاق الانتخابي. كل الدول وسفاراتها مهتمة بإجرائها في موعدها.
"مجد" عون المبدَّد
ولكن بعيداً من المعنى التقني لمسار الانتخابات، ومن لغة العواطف.. لطالما كانت انعكاسات النتائج الانتخابية في لبنان مستمدة من تطورات المنطقة. فحزب الله وحلفاؤه فازوا بالأكثرية في انتخابات العام 2018 كترجمة لموازين قوى إقليمية وداخلية. فكان العهد في بداية انطلاقته، وخلفه كل القوى والمؤسسات التي منحته الزخم للفوز.
ليلة صدور نتائج الانتخابات، قال أحد مسؤولي حزب الله، بسرعة بديهة واضحة، إن هذه النتائج التي تحققت تمثل إنتصاراً كبيراً لقوى 8 آذار، ولكن سيكون لها تداعيات صعبة في المرحلة المقبلة. ولدى سؤال المسؤول في الحزب عن ما حققه التيار الوطني الحرّ من أكثرية مسيحية، كان الجواب السريع: "الأهم أن يتمكن التيار من الحفاظ على هذه الأكثرية. وهذا أمر صعب للغاية، لأن كل المجد السياسي والشعبي الذي بناه رئيس الجمهورية ميشال عون ارتكز على مفهوم المظلومية، ومحاولة مواجهته وهو خارج السلطة. أما الآن، فقد وصل إلى أعلى هرمية في تركيبة الدولة وحقق أكثرية نيابية وأكثرية حكومية من خلال التسوية مع الحريري ومع حزب الله. ولذلك، سيكون هناك رد فعل سلبي وعكسي في الانتخابات المقبلة. وهذه ترجمة عملية وواضحة، لأن الناس وخصوصاً المسيحيين لا يؤيدون من يكون في السلطة، لا سيما بظل حصول انهيارات متوالية".
"التيار" المطوَّق
يعرف التيار الوطني الحرّ جيداً هذه المعادلة، وهو الذي بنى مجده على مهاجمة الآخرين وتوجيه الاتهامات لهم. ولكن ممارسة السياسة في السلطة والمعارضة معاً لم تعد تنطلي على أحد، وسيدفع التيار ثمنها، لأنه لم يعد بالإمكان تمرير مثل هذه الشعارات على الناس. وعلى ما يبدو، فإن رؤية المسؤول في الحزب تتحقق، من خلال الاستناد إلى استطلاعات الرأي التي يتم إجراؤها، أو من خلال المشاكل الداخلية التي تعصف بالتيار الوطني الحرّ، بعد تجربة الانتخابات الداخلية التمهيدية، والتي أدت إلى حصول مشاكل كبيرة بين كوادر ومسؤولين مختلفين.
هنا يجد التيار الوطني الحرّ نفسه مطوقاً، أولاً بتحالفاته، خصوصاً مع حزب الله بسبب الخلاف بين التيار وحركة أمل، وثانياً هو مطوق مسيحياً، وثالثاً بسبب العقوبات التي فرضت على مسؤولين فيه، ورابعاً تغيّر المزاج الشعبي المسيحي، بعد الكثير من الانهيارات والتطورات التي حصلت، وكان آخرها تفجير مرفأ بيروت. وهنا، تفيد استطلاعات الرأي إلى أن التيار قد يسجل تراجعاً كبيراً في حال بقيت الخلافات تعصف بين مسؤوليه والطامحين للترشح. وتشير التقديرات إلى أن التيار قد يحصل بأقصى الأحوال على 15 نائباً. بينما في المقابل، تشير الإستطلاعات إلى أن كتلة القوات اللبنانية ستصل إلى حدود الـ21 نائباً بينهم 17 نائباً مسيحياً و4 نواب سنّة.
الخوف على الانتخابات
في التقييمات التي تجريها القوى والأحزاب للانتخابات النيابية، تبرز وجهة نظر تعتبر أن الانتخابات ستكون انعكاساً لواقع المنطقة وتطوراتها، والتي يشكل لبنان جزءاً منها ويتأثر بها. هذه التطورات لا تخدم رؤية التيار الوطني الحرّ، وستؤثر على الأكثرية النيابية التي يمتلكها التيار إلى جانب حزب الله.
اليوم يتحدث التيار عن أنه خارج الأكثرية، في محاولة لشد العصب المسيحي. ولكن فقدان الأكثرية هو نتيجة لتطورات كبيرة حصلت، أولها خسارة التيار لحلفاء وأصدقاء، وثانيها تعارض في التوجهات بين التيار وقوى متعددة، وثالثها أثر العقوبات والجو الدولي الرافض لممارسات التيار، وتحميله مسؤولية التعطيل والانهيار. أمام هذه الوقائع والمعطيات هناك خوف على الاستحقاق الانتخابي. إذ أنه في ظل امتلاك طرف سياسي للأكثرية النيابية حالياً، وبحال استشعر أي خطر لخسارتها، لن يكون من مصلحته إجراء الانتخابات.
وبحال عدم إجراء الإنتخابات سيكون لبنان أمام المزيد من الاحتمالات السيئة، في ظل انسداد الأفق لإعادة تكوين السلطة. وبحال عدم الاتفاق على تسوية رئاسية جديدة تنتج رئيساً مقبولاً من الجميع أو متوافق عليه، ستدخل البلاد في فراغ قاتل. وقد تجد من يضغط على عون لمغادرة القصر الجمهوري عند انتهاء ولايته، تماماً كما ضُغط على الرئيس امين الجميل في العام 1988 لمغادرة القصر الجمهوري، بعد عدم الاتفاق على انتخاب رئيس. فبقي لبنان في مرحلة انتقالية إلى حين الوصول إلى اتفاق الطائف.