الإنقلاب المطلوب من الشارع السنّي
كتب جوني منيّر في الجمهورية:
بخلاف الاستنتاجات المتسرّعة، والتي ربطت خطوة عدم ترشح الرئيس سعد الحريري بأنّها ستشكّل مدخلاً لإلغاء الاستحقاق النيابي بعد اقل من 4 اشهر، بذريعة فقدان الميثاقية، إلّا أنّ واقع الحال يبدو مختلفاً، وخصوصاً انّ عذر «الميثاقية» سيبقى مؤمّناً عبر وجوه اخرى من الطائفة السنّية.
أضف الى ذلك، انّ تجربة المقاطعة المسيحية للانتخابات عام 1992، والتي كانت أشمل وأكبر، لم تمنع حصول الانتخابات يومها. الرئيس سعد الحريري، وخلال لقائه بأعضاء كتلته النيابية بعد عودته، قال بوضوح، انّ قراره بعدم المشاركة في الانتخابات لا يعني عودته للمقاطعة، ولا يعني ايضاً الذهاب لحل تيار «المستقبل». واضاف الحريري، انّ هنالك بيوتاً سياسية ينتمي اليها بعض نواب «المستقبل»، وانّ هؤلاء يستطيعون الترشح بإسم بيوتهم، وهو لا يعارض ذلك. لكن ليس باسم تيار «المستقبل». وخلال سعي الذين التقوا الحريري الاستفاضة في النقاش معه حول ضرورة عودته عن قراره، كان الحريري يقفل النقاش قائلاً: «لقد اتخذت قراري ونقطة على السطر».
وهذا ما دفع بهؤلاء لتأكيد الكلام الذي تحدث عن انّ الحريري يلبّي مطلباً سعودياً - إماراتياً، رغم نفيه ذلك، لدى سؤاله عن الامر. أحد هؤلاء قال انّ نفي الحريري لا يعني شيئاً، فهو لا يزال حتى الآن ينفي ان يكون قد تعرّض للاحتجاز منذ اكثر من 4 سنوات، وللمصادفة، قبل اشهر معدودة من الانتخابات النيابية الماضية.
الرئيس نبيه بري، والذي قال امام زواره انّه سيسعى لإقناع الحريري بالعدول عن قراره، بدا كمن بات أمام واقع غير قابل للتعديل، هو تمتم أمام زواره بأنّه قد يكون لقرار الحريري دافعان: واحد خارجي وآخر داخلي.
وأضاف بري: «قيل انّ الأقوى في طائفته هو من يتولّى تمثيلها في السلطة، لكنهم عاندوا الحريري ليدفعوه باتجاه الاعتذار عن تشكيل الحكومة». لكن وبعيداً من السجالات الداخلية، الّا انّ لا بدّ من مقاربة هذا الحدث بأبعاده الواسعة، فهي المرة الاولى التي تحجم فيها الزعامات السنّية التقليدية عن المشاركة في الانتخابات النيابية من دون وجود بدائل لها. وبغياب سعد الحريري عن الحياة السياسية اللبنانية ولو لفترة مؤقتة كما قال هو، فإنّ لا بدّ من السؤال حول تأثير ذلك على الخارطة السياسية الداخلية. لا شك بأنّ مثلث بري - الحريري - جنبلاط، والذي شكّل ركيزة غير معلنة وغير مرئية للعبة السياسية اللبنانية، قد انتهى عملياً. لكن الضربة الفعلية الأقوى قد يكون تلقاها «حزب الله» الذي كان يعوّل كثيراً على الاسلوب السياسي غير الصدامي الذي دأب على انتهاجه الرئيس سعد الحريري منذ عودته الى السلطة مع إنجاز التسوية الرئاسية في العام 2016. وقيل الكثير حول اختلاف في الحسابات السياسية بين الحريري والسعودية، ما دفع البعض لإدراج ذلك من ضمن أسباب أزمة احتجاز الحريري نهاية العام 2017.
يخطئ البعض إن قارب قضية الحريري ومسائل اخرى تحدث على الساحة اللبنانية من الزاوية الداخلية البحتة. فالمنطقة تشهد بداية تحولات كبرى ولبنان هو إحدى ساحاتها.
ومن خلال نظرة خاطفة على التطورات الخارجية، نستنتج سريعاً انّ ثمة تبدلات هائلة لا بدّ ان تلفحنا نتائجها. فالصراع الهائل في اوكرانيا يُنبئ بالذهاب الى صفقة قريبة بين موسكو وواشنطن. وهذه الصفقة لن تبقى محصورة بأوروبا الشرقية بل ستصل الى الشرق الاوسط، حيث لروسيا قدرة على تبادل الخدمات مع الاميركيين.
والشرق الاوسط يستعد خصوصاً لولادة قريبة للتفاهم الاميركي مع ايران حول الملف النووي، كونه سيكون مدخلاً لإعادة رسم الخارطة السياسية للمنطقة. وفي اليمن تبدّل في التطورات العسكرية لا بدّ انّها تأتي انعكاساً للمفاوضات المفتوحة او ربما لتحاكي تعقيداتها. وكذلك استهداف لعمق ابو ظبي في الإمارات، وعودة النشاط الخطير لـ»داعش» في العراق وسوريا. وهذه عودة لا تحصل بالصدفة، كونها بحاجة الى حرية حركة وتأمين التمويل وخصوصاً التسليح.
بالطبع لا أحد يغالي معتقداً انّ الساحة اللبنانية هي اولوية، لكن بالتأكيد هي تفصيل اساسي عندما يحين الأوان، وما يحصل قد يكون في اطار تحضير المسرح عمداً ليكون جاهزاً عندما يحين موعد العرض، ولذلك ايضاً لا بديل عن حصول الانتخابات النيابية وتركيز نتائجها. وللمصادفة، فإنّ زيارة وزير خارجية الكويت الى لبنان والتي شكّلت أول زيارة لمسؤول رسمي خليجي منذ زمن بعيد، حملت بعض الأجوبة المطلوبة. هو اراد ان يظهر بأنّ زيارته والتي جاءت بتنسيق كامل مع دول الخليج وتحديداً السعودية، شكّلت بداية تحول خليجي باتجاه لبنان. في الواقع، فإنّ الوزير الكويتي محسوب على ولي العهد الكويتي، والذي يتمتع بعلاقة وثيقة مع السعودية، لدرجة انّ البعض يصفه برئيس التيار الكويتي القريب جداً من ولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان.
لكن بداية التحول الكويتي وضمناً الخليجي تجاه لبنان، بحاجة لخارطة طريق من ثلاثة بنود سلّمها المسؤول الكويتي للمسؤولين اللبنانيين، وفي طليعتها إعادة «حزب الله» الى داخل لبنان. او بمعنى آخر وقف النشاط العسكري لـ»حزب الله»، وهي النقطة التي ستأخذ جدلاً واسعاً بعد الانتهاء من الانتخابات النيابية.
وفي استطلاع للرأي من ضمن دراسة أُجريت الاسبوع الماضي من خلال «مركز الاستشراف الاقليمي للمعلومات» حول الساحة السنّية وتوجّهاتها إثر قرار الحريري، جاءت النتائج ملفتة في كثير من الأحيان.
هذه الدراسة طالت ساحات سنّية خمس، وهي بيروت وصيدا وطرابلس وقضاء زحلة والبقاع الغربي. وأظهرت الارقام تزعم تيار «المستقبل» للساحة السنّية رغم النكسات التي تلقّاها، وفق نسبة تقارب 40 %. ففي العاصمة بيروت والتي شكّلت مركز الثقل لتيار «المستقبل»، حاز «المستقبل» على نسبة 39% من السنّة، ومن ثم الحالة التغييرية او ما يُعرف بالمجتمع المدني 13,2%، وبعده جمعية المشاريع الاسلامية 13% ثم فؤاد مخزومي 10,7% فتمام سلام 6,6% وبعده نجيب ميقاتي 4,5 % فبهاء الحريري 4,2 % ثم الثنائي الشيعي 2,8 % والجماعة الإسلامية 2,4%.
ورداً على سؤال يتعلق في حال لم يتابع الحريري سياسياً من تفضّل؟ جاءت الأجوبة وفق النِسَب الآتية: التمّسك فقط بسعد الحريري 36%، اختيار بهاء الحريري 12,4%، فؤاد السنيورة 9,2%، نجيب ميقاتي 4,5%، تمام سلام 4,2%، فؤاد مخزومي 4%، بهية الحريري 2,7%، فيصل كرامي 2% اما نسبة 25% فلم تختر احداً.
وعن اسباب الأزمة الحاصلة، حمّلت نسبة 39% المسؤولية على «التيار الوطني الحر»، فيما اختار 22% «حزب الله».
وعن تفضيل دول المنطقة، اختارت نسبة 41 % السعودية ثم 18,5% دولة الإمارات، فتركيا بنسبة 13,5%، ثم سوريا بنسبة 10,3% فقطر 7% واخيراً مصر 6,5%.
اما بالنسبة للساحة السنّية في صيدا فأيّد 40% تيار «المستقبل» ثم 26% «التنظيم الشعبي الناصري»، ونسبة 10,5% الحالة التغييرية.
وفي حال عدم متابعة سعد الحريري العمل السياسي، تمسّك 24,5% بسعد الحريري فقط، و10,5% اختاروا بهاء الحريري و7,5% فؤاد السنيورة، و 7,5% بهية الحريري، وكان لافتاً انّ نسبة 44% لم تختر احداً. ولكن سنّة صيدا حمّلوا «حزب الله» مسؤولية ما آلت اليه الامور بنسبة 40,2% وجاء بعده «التيار الوطني الحر» مع نسبة 19%.