الانتخابات الآن
كتب أنطوان نصرالله في المدن:
كأننا عشية 2005، يومها استطاعت المنظومة الحاكمة أن تقنع الموفدين الدوليين بضرورة إجراء انتخابات وفقاً لـ"قانون غازي كنعان"، تحت حجة أنها المدخل الوحيد للقضاء على النظام الأمني السوري-اللبناني الذي تحكم في لبنان.
المشهد السوريالي
ونتيجة لسذاجة الغرب، فرض المجتمع الدولي الانتخابات النيابية على اللبنانيين بعد الانسحاب السوري، أو لنقل أنه ضغط لإجرائها في موعدها الدستوري. ترافق هذا الأمر مع اتفاق إيراني-فرنسي على ضرورة قيام تحالف رباعي، لنصل إلى واقع لا غالب ولا مغلوب، وذلك لإراحة الثنائي الشيعي الذي شعر أن خروج سوريا من لبنان قد يقوض من سلطته السياسية والشعبية. فاختلط حابل 14 آذار بنابل 8 آذار. وفي مشهد سوريالي، قامت تحالفات غريبة، من جهة حزب الله وأمل والمستقبل والاشتراكي والقوات، ومن جهة اخرى التيار الوطني الحر والقومي والمرده والطاشناق والكتلة الشعبية.. بالمختصر، استطاعت المنظومة أن "تبلف" المجتمع الدولي، وأن تجدد وجودها وشبابها في لحظة حرجة. وكان الإسراع بالانتخابات هو الحل الوحيد أمامها. صحيح أن الخرق الذي صنعه التيار العوني بدل من حسباتها، إلا أن الأخير سرعان ما أصبح وجهاً قديماً ومدافعاً شرساً عن المنظومة، واستفاد من تعاونه معها في السر والعلن.
خريطة القوى
يضغط المجتمع الدولي اليوم لإجراء الاستحقاق النيابي في موعده القانوني، عله يصحح خطأ 2005، حينما أعاد الروح لمنظومة فاسدة ومفسدة. ولكن ما تبدل هو أن المنظومة ذاتها تريد تأجيل الانتخابات إلى مواعيد بعيدة، علها تستطيع أن تقضي على الاندفاعة الشعبية المتمثلة بما يعرف بالمجتمع المدني.
يكفي أن نضع خريطة للقوى السياسية على طاولة التشريح الانتخابي، لندرك الحقائق التالية:
الثنائي الشيعي محاصر ومربك، يرفع سقف خطابه عبر اتهام أخصامه بأنهم صنيعة السفارة الأميركية، عله يحمس بيئته لتصطف خلفه، بينما معظم شارعه يميل إلى مقاطعة الانتخابات.
"المستقبل" في غيبوبة تامة، ينتظر أن يصحو رئيسه على خبر خليجي يثلج صدره ويعيد إليه الأمل. وهذا الخبر يحتاج إلى وقت، والانتخابات على الأبواب.
"الاشتراكي" يعول على المساعدات المالية والمادية التي يقدمها رئيسه، وعلى خطاب عالي اللجهة ضد إيران، سحبه البيك من الجرور لوقت "الحشرة". إلا أن تأجيل الانتخابات يثلج قلبه، ليتنفض على واقع شارعه غير المبالي.
"القوات"، تريد أن ترث التيار والكتائب والحراك الشعبي. والوقت وحده الكفيل بحل مشكلة الوراثة. علماً بأن كره جعجع للمستقلّين يفوق كرهه لمنافسيه على الساحة المسيحية.
المعارضة السنّية مشكلتها مع شارعها كبيرة، خصوصاً وأن خطاب حزب الله وتصرفاته، "لم يترك للصلح مطرح " مع هذا الشارع.
"التيار الوطني الحر"، لم يخفِ رغبته بتأجيل الانتخابات، عله يفك صيامه عن الخسارات الشعبية التي يتكبدها مع كل استحقاق انتخابي، ويجد من يجرؤ على التحالف معه.
"الطاشناق" يتكل على الوقت، فهو يفتش عن بديل لحزب العهد. وهذا لا يتم إلا مع خروج رئيس الحزب من قصر بعبدا.
"تيار المرده" يختفي موقفه خلف أسوار التطورات البطيئة في المنطقة، التي يرى في نهاية مسارها رئيساً من بنشعي.
وللمفارقة، فإن الحكومة التي أشرفت على الانتخابات يومها كانت برئاسة نجيب ميقاتي، الذي بدوره يريد تأجيل الانتخابات لكي يتربع على كرسي الرئاسة الثانية طوال فترة الفراغ الرئاسي.
بلا رحمة
القوة الوحيدة التي تلاقي المجتمع الدولي في دعوته إلى الانتخابات النيابية هم حاملو صفة المعارضة أو المجتمع المدني أو الثوار. وفي هذا المجال تتعدد الأسماء والهدف واحد: محاولة تمثيل الفئة الشعبية التي ترفض كل القوى الموجودة الآن في المجلس النيابي. ولكن هذه القوى أو معظمها غير ناضجة وعديمة الخبرة، ولن تستطيع أن تواجه سلطة هي الأقدم في العالم، متجذرة في الإدارة والمجتمع ولا رحمة لديها. يمكنها أن تحرق لبنان للبقاء حيث هي.
أمام هذا الواقع المعقد، فإن التطورات تعلن بأن لبنان سيعرف فراغاً لن ينتهي، إلا إذا عمل المجتمع الدولي، وخصوصاً فرنسا، على طمأنة المنظومة بأن هدف الانتخابات هو إعادة الروح إليها، والتنافس سيكون شكلياً.. حينها فقط يتحقق شعار "الانتخابات الآن..".