البلد يغلي: جبهات مشتعلة للانتخابات أو لتأجيلها
كتب نادر فوز في المدن:
البلد يغلي. ولو أنّ الفقاعات قد لا تطفو الآن لتظهر حجم الغليان، لكن لبنان يغلي. ساعات بعد انقضاء موسم الأعياد، افتتحت السلطة السياسية بازار العام الجديد بسلّة من المواجهات والتحديّ المتبادل. فعلياً، لم يتأخّر الحكّام، بمختلف أطيافهم ومواقعهم الرسمية وغير الرسمية، في إعادة إشعال النار تحت البلد المنهار والمترنّح. خطاب أول، مؤتمر صحافي للردّ، إطلالة أولى، ثم بيان ردّ، وبعدها سلّة من مواقف التنديد والشجب. وهجوم وعمليات كومندوس سياسية مركّزة على أكثر من جبهة. فكيف لا يغلي البلد لتتبخّر آمال اللبنانيين في واقع سياسي داخلي وخارجي وإقليمي بهذا التعقيد؟ وليس من آلية لتوضيح تعقيدات المشهد السياسي سوى في رسم خريطة مواقف وجبهات تزيد المشهد تعقيداً.
المسارعة الرسمية
قد يكون حزب الله، من جديد وكما دائماً، عنوان انقسام عام في البلد. مواقف أمين عام الحزب الأخيرة ضد السعودية، فجّرت عاصفة بيانات رسمية تأكيداً على حرص لبناني على العلاقة بالمملكة. مشهد مكرّر لا طائل من إعادة تشريحه وشرحه. إلا أنّ المسارعة الرسمية لتطويق الإطلالة الأخيرة، تشي بأنّ ثمة درساً لبنانياً تعلّمته الرئاسات اللبنانية جراء الأزمات المتلاحقة مع الخليج العربي خلال الأشهر الأخيرة. أما الرئاسة الثانية فصامتة، تنام على الموقف الأخير الصادر عن الرئيس نبيه برّي في الخصوص منتصف كانون الأول الماضي. حين قال برّي يومها ما معناه أنّ "العرب يحاصروننا ويغلقون الأبواب بوجه لبنان مقابل الانفتاح على إسرائيل". الرئاسة الثانية مشغولة بأمر آخر اليوم، متمترسة على الجبهة المفتوحة مع الرئيس ميشال عون، ورئيس التيار الوطني الحرّ النائب جبران باسيل.
الجبهة المفتوحة
على جبهة بعبدا- عين التينة، حرب مشتعلة لن تقتصر على موقف من باسيل من هنا أو مؤتمر صحافي من النائب علي حسن خليل من هناك. ولمن لم يلحظ الأمر، أنّ الأخير استقبل سؤالاً واحداً فقط بعد الانتهاء من مؤتمر الصحافي يوم أمس. سؤال وحيد، وجهّته مراسلة قناة إن بي إن، حول إمكانية تحوّل السجال الدائر بين الطرفين إلى الشارع. أجاب خليل عن السؤال بالإشارة إلى أنّ عقد المؤتمر الصحافي هو لمنع انتقال الصراع إلى الميدان، استأذن بعدها وخرج من القاعة. في السؤال والجواب، رسالة واضحة بأنّ الشارع قد ينفجر قريباً بين حركة أمل والتيار الوطنّي الحرّ. وليتّعظ من يريد من هذه الرسالة. والطرفان، مستفيدان من هذا الصراع، سياسياً ومذهبياً وطائفياً وانتخابياً. لا شك في ذلك. كلاهما يستجدي الآخر التصعيد والردّ عليه.
حفّارو القبور
في مقلب آخر، الجبهة الأزلية السرمدية المفتوحة بين التيار الوطني الحرّ والقوات اللبنانية. جبهة تغلي أيضاً مع اقتراب استحقاق انتخابي موعود. من يحكم الساحة المسيحية؟ فريق العهد الفاشل، الذي أوصل البلاد إلى الانهيار والعاجز عن إدارته أزماته؟ فريق المعارضة المسيحية المسؤول أساساً عن وصول عون إلى الحكم بفعل تسوية معراب؟ بالنسبة لباسيل، جعجع "أداة خارجية مطلوب منها الفتنة". بالنسبة للقواتيين، باسيل "حفّار قبور". باسيل يحاول التفاوض مع حزب الله، ويهجم على حليفه الرئيس برّي. القوات اللبنانية، طريقها عسير مع برّي وحزب الله، خصوصاً بعد أحداث الطيونة. وباسيل والقوات يتقاتلان. رئيس الجمهورية يستنكر موقف حزب الله. رئيس الحكومة يندّد به. باسيل يتوّعد بمساءلة الحكومة أمام البرلمان. والجبهة مفتوحة على مختلف مصارعها. حفّارو قبور، يؤّدون مهامهم باتقان. ينبشون جثثاً، يرقصون حولها، يطبّلون للقمر، وينتظرون ليلة ظلماء أخرى لنبش قبر آخر.
الكلّ يهاجم الكلّ، كلهم يعني كلهم. ترجمة أخرى لهذا الشعار. وطالما أنّ السباق الانتخابي قائم، سيبقى الحال كذلك. إلا أنّ عرّافي السلطة وعدوا اللبنانيين بمسلسل أزمات وخضّات. حروب داخلية، خارجية، أو إقليمية، لا يهم. في كل ذلك تمهيد لتأجيل الانتخابات النيابية المفترضة. في إقامتها، صراع مطلوب لشدّ العصب الطائفي والانتخابي وتصعيد مستمرّ. ولتأجيلها، صراع مطلوب لتأمين الذرائع الأمنية وتصعيد مستمرّ. وفي الحالتين، دعوات إلى حوار وطني. جبهات سياسية مفتوحة شمالاً ويميناً، طولاً وعرضاً. مشهد مكرّر ومبتذل، إن كان يعني شيئاً فهو أنّ البلد سائر إلى المزيد من التصعيد. الخلاصة، أنّ حفلات نبش القبور والرقص حول الجثث ستتصاعد. لنأمل، أقلّه، أن لا يكون القمر بدراً حتى لا يفتك بنا المستذئبون أيضاً.