الجزائر الناخب الأكبر في الانتخابات الفرنسية!
جاء في الحرة:
هل الانتخابات الرئاسية الفرنسية التي على الأبواب شأن فرنسي داخلي بحت؟
ما إن أعطيت صافرة انطلاق سباق الرئاسيات الفرنسية، سباقاً محموماً، حتى ظهر عامل خارجي وازن فرض نفسه بقوة على هذا السباق، طوراً بتوجيهه لمجمل النقاش الإعلامي والسياسي الصاخب وطوراً آخر بتعديله لنتائج سبر الآراء الخاصة بتوقعات فائزي الدور الأول. هذا العامل الخارجي هو: الجزائر.
إن دور الجزائر في الانتخابات الرئاسية الفرنسية دور حاسم، مؤثر، مزعج، مثير، فالجزائر هي على لسان الجميع، إنها الموضوع الذي لا يخلو منه خطاب أو تصريح لهذا المترشح أو تلك المترشحة. والجزائر تحضر كموضوع وكفاعل لاعب في الوقت نفسه في هذه الحملة الانتخابية.
إن المتتبع للنقاشات الساخنة التي لا تنتهي على بلاتوهات القنوات الفرنسية يدرك حجم حضور الجزائر ووزنها بكل أبعادها التاريخية والاقتصادية والسياسية والأمنية والديمغرافية، لا أحد من التيارات السياسية مستثنى من هذا التورط، من الاشتراكيين التقليديين وحتى اليمين المتطرف بكل تفرعاته مروراً بالجمهوريين والإيكولوجيين والإسلامويساريين.
بمجرد طرح مسألة الهجرة وتهديد النسيج الديمغرافي والثقافي والديني لفرنسا حتى يوجه أصبع الاتهام، في المقام الأول، للجزائريين.
بمجرد التعرض لموضوع الإرهاب الذي عاشه المجتمع الفرنسي ولا يزال، حتى يظهر اسم الجزائر والجزائريين بشكل بارز ومبرز.
منذ انطلاق سباق الانتخابات الرئاسية، عادت الجزائر إلى نقاشات الساحة السياسية الفرنسية من خلال قضية "الحركي" وهم فئة الجزائريين الذين اختاروا الجناح الفرنسي أيام الحرب التحريرية، فكان عليهم مغادرة الجزائر مع الفرنسيين بعد الإعلان عن الاستقلال، مرة أخرى يعود هذا الموضوع من خلال أبناء الحركي الذين يطالبون بحقوق اجتماعية وسياسية من فرنسا التي دافعوا عنها.
ومرة أخرى تحضر الجزائر في هذه القضية التي عمرها قرابة السبعين سنة، ولعلنا نذكر استقبال الرئيس الفرنسي الحالي إيمانويل ماكرون لأبناء الحركي وهو يستعد للشروع في الحملة الانتخابية.
وما إن بدأ السباق الرئاسي حتى حل شبح الحرب التحريرية الجزائرية في النقاش أيضاً، على الرغم من مرور 60 سنة على استقلال الجزائر، وهو ما يدل على أن الطبقة السياسية الجديدة، أي الجيل الجديد الذي لم يشارك في هذه الحرب ولم يعرفها، وبعضهم لم يكن مولوداً أساساً، لم يتمكن من قلب صفحة هذه التجربة المريرة وأن الجروح لم تلتئم بعد.
إن الأرشيف قنبلة موقوتة، من دون شك ستنفجر في وجه الجميع، على الضفتين، لذا تشعرنا هذه الانتخابات الرئاسية وكأن حرب الأرشيف حلت محل حرب الدبابة.
ويحضر تاريخ الجزائر بقوة أيضاً في نقاشات الطبقة السياسية، فحتى مسألة ميلاد الدولة الجزائرية لم يستثنَ، ما يؤكد بأن هزيمة فرنسا في الحرب التحريرية الجزائرية يتم التستر على جروحها التي لم تتمكن الطبقة السياسية الفرنسية الجديدة من مداواتها ولا التداوي منها.
وحضور الجزائر في هذه الانتخابات الرئاسية ليس مربوطاً بقضايا كالذاكرة والهجرة والإرهاب وحرب التحرير فقط بل أيضاً بالمسار الحياتي والشخصي لبعض المرشحين.
ف إريك زيمور ابن وريدة يهودي من أصل جزائري، وأرنو موتونب رئيس جمعية فرنسا الجزائر وهو ابن ليلى ولد قاضي جزائرية من مواليد وهران، وجان لوك ميلانشون من مواليد طنجة لأبوين من الأقدام السود بالجزائر، ومارين لوبين ما هي إلا ابنة جان ماري لوبين الذي كان مجنداً في صفوف الجيش الفرنسي المنهزم في حرب التحرير الجزائرية، وفي الجيش الفرنسي المنهزم في حرب الهند الصينية.
بمثل هذا المصائر الشخصية للمترشحين، يبدو أن حكاية الأرض والدم تعود للضوء، وهو ما يؤكد بأن قدر فرنسا 2022 لا يمكنه أن يتخلص من قدر جزائر اليوم والبارحة.
ولكي يغازل المرشحون الجالية الفرنكو-جزائرية في هذه الانتخابات، فأكثرهم حظاً في الفوز، وكما هي العادة، منتظر في زيارة للجزائر، إنه الحج المفروض والذي يجب أداؤه!
بهذا الحضور تعد الجزائر أكبر ناخب في هذه الانتخابات الرئاسية الفرنسية، تنتخب من خلال فرض أشكال ومضامين النقاشات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والهوياتية، تنتخب من خلال تحريك خطوط التباعد والتقارب ما بين الأحزاب والمجموعات والشخصيات المتنفذة، وتنتخب الجزائر أيضاً من خلال الحضور الاجتماعي البارز لجاليتها الكبيرة.