الجماعة والمستقبل: حلفٌ انتخابي "على عين العرب"؟
كتب سامر زريق في أساس ميديا:
على الرّغم من أنّ المشهد الانتخابي لا يزال مُغلّفاً بطبقة سميكة من الضبابيّة، إلّا أنّ ذلك لا يعني أبداً أنّ القوى السياسية لا تحاول، خلف أبواب مُغلقة، وعبر قنوات غير مرئية، إنتاج تفاهمات أوّلية، للوصول إلى تحالفات سياسية تأخذ شكلها النهائي في لوائح المرشّحين التي بدأت ملامحها تلوح في الأفق البعيد.
من هذه القوى الجماعة الإسلامية، التي تحاول قيادتها إبرام اتّفاق سياسي مع تيار المستقبل لخوض الاستحقاق الانتخابي معاً، الأمر الذي لا يزال دونه بعض العقبات، أبرزها عدم حسم الرئيس سعد الحريري قراره، سواء ترشيحاً أو مشاركةً أو حتّى دعماً، وكذلك وجود اتّجاهات داخل الجماعة تميل إلى عدم التحالف مع أيٍّ من القوى التقليدية، علاوةً على وجود طرف داخليّ لديه رغبة بالتحالف مع حزب الله.
أبواب موصدة.. وميزانيّة
في معلومات حصل عليها "أساس" أنّ الهمّ الانتخابي وشؤونه وشجونه كانت حاضرة في جولة الأمين العام للجماعة عزّام الأيّوبي الخارجية، التي شملت الدوحة وأنقرة، لكنّه عاد منهما بخُفّيْ حُنين سياسي. إذ عجز التنظيم الدولي للإخوان المسلمين عن تحديد مواعيد للأيّوبي مع المسؤولين الأتراك والقطريّين، لأنّ كلا الطرفين حريصان على مسار المصالحة مع السعودية والإمارات ومصر، ولا يريدان رمي حجر "إخوانيّ" في دربها.
بيد أنّ الأيّوبي، وفق المعلومات، عاد من جولته الخارجية، حاملاً وعداً من شخصيات إخوانية بتمويل كبير للاستحقاق الانتخابي، وهو ما حفّزه على إعلان النفير الانتخابي.
ترشيح الأمين العامّ
فور عودته أعطى الأمين العام إشارة الانطلاق لماكينة الجماعة الانتخابية، التي صارت قديمة، وفاتها قطار التحديث، إذ لم تشهد أيّ تغيير في طاقمها، الذي لا يزال كما هو تقريباً منذ انتخابات عام 2005.
أمّا المفاجأة، حسب معلومات "أساس"، فكانت رغبة الأمين العام بالترشّح شخصيّاً في الانتخابات في مدينة طرابلس. وينطلق الأيّوبي في ترشّحه من نصائح بعض الأخوة وُجّهَت إليه للقيام بذلك.
فترشيح الأمين العامّ للجماعة سيُسْهِم في شدّ عصبها الداخلي، ولملمة صفوفها، وإزالة الترهّلات التي ضربت جسدها التنظيمي، بسبب الاستقالات الكثيرة التي حصلت في الأعوام الأخيرة، والتي ضربت رقماً قياسياً كبيراً ومخيفاً، وفي تجاوز الانقسامات الداخلية الحادّة في كلّ المستويات، وتحديداً بين الجناح السياسي والجناح الأمنيّ.
يجعل كلّ ذلك ترشيح أيّ شخصية أخرى عملاً غير مضمون بسبب عدم التأكّد من تأييد المُحازبين لها، وقد يعرّض الجماعة لانكشاف انتخابي هي في غنى عنها بعد تجربة عام 2018 المريرة، وفشلها في حصد أيّ مقعد. والأسوأ في نظر البعض من الداخل، كان تحوُّل الجماعة في تلك الانتخابات إلى جسر عبور لبعض المرشّحين إلى الندوة البرلمانية.
وكانت الجماعة رشّحت عام 2018 في دائرة الشمال الثانية الدكتور وسيم علوان، الطبيب الذائع الصيت في مدينة طرابلس، الذي حصل على 2000 صوت تفضيلي، وكان في لائحة النائب السابق مصباح الأحدب، برفقة الإعلامي طوني خليفة، وبعضٍ من وجوه المجتمع المدني.
مرشّح الإسلاميّين
ومن جانب آخر، يرغب الأمين العام في أن يكون مرشّح الحالة الإسلامية في طرابلس، وليس مرشّح الجماعة فقط، بالنّظر الى علاقاته الشخصية الواسعة مع مشايخ وحركات إسلامية، وعدم وجود مرشّح يُمثّل هذه الحالة حتى الآن، والأجواء التصالحيّة التي تطغى على المشهد الإقليمي. ويعوّل الأيّوبي، وفقاً لمُطّلعين على هذه الحالة، على أن يحصل على رقم يُناهز ستة آلاف صوتٍ تفضيلي. إذ تُقدّر الجماعة قِواها الذاتية بهذا الرقم، بالإضافة إلى ما قد ترفدها بها الصناديق من أصوات إسلامية في مدينة تعتبر عاصمة السنّة في لبنان.
وثمّة اتّجاه قويّ ووازن داخل الجماعة، يقوده النائب السابق عماد الحوت، للتحالف مع تيار المستقبل. فالحوت لديه قناعة بأنّ هذا التحالف هو الطريق الوحيد لعودة الجماعة إلى ساحة النجمة من جديد، مُخالِفاً كلّ الآراء الداخلية التي تُنادي بالتحالف مع القوى التغييرية والمجتمع المدني، والتي برأيه ليس لها حظّ في بلوغ العتبة الانتخابية.
أفضى هذا التوجّه، الذي يحظى بموافقة الأيوبي، إلى عقد اجتماعات عديدة بين المستقبل والجماعة الإسلامية، على الرغم من عدم حسم الرئيس سعد الحريري قراره الانتخابي ولا التحالفات، وسط قناعة لدى الطرفين بأنّ المستقبل سيخوض الانتخابات، حتى لو من دون قائده.
تلك الاجتماعات، التي عُقِدَ أغلبها مع الأمين العامّ لتيار المستقبل أحمد الحريري، وفق معلومات "أساس"، أفضت إلى خارطة طريق أوليّة تؤسّس لاتّفاق في المرحلة المقبلة يقضي باكتفاء الجماعة الإسلامية بترشيح الحوت في بيروت، والأيوبي في طرابلس بالتفاهم مع المستقبل، مقابل الامتناع عن الترشّح ودعم مرشّحي التيار الأزرق في المناطق التي للجماعة حضور فيها، مثل صيدا حيث تذهب أصوات المُحازبين إلى النائب بهيّة الحريري، ومثل الشوف وإقليم الخروب والبقاع الغربي وعكار.
وبذلك يحاول المستقبل تعويض تراجعه الشعبي، ولا سيّما في بيروت وطرابلس، بأصوات الحوت (حصل عام 2018 على 3938 صوتاً)، والأيوبي الذي يروّج مُقرّبون منه أنّه سيكون بديلاً عن النائب ديما الجمالي (2066 صوتاً)، علماً أنّ مُحازبي المستقبل صبّت غالبيّة أصواتهم للنائب سمير الجسر، مع بعض التوزيعات للمرشّحين الباقين.
المستقبل يريد
في المقابل، تشدّ الجماعة عصبها الانتخابي بـ"المستقبل"، متجاوزةً المعوّقات الداخلية بفضله، وسيسهّل الاتفاق معه تبنّي الجماعة ترشيح الحوت في بيروت على حساب المهندس مُغير سنجابة، عضو بلدية بيروت، والمرشّح الأقوى داخل الجماعة، لأنّ المستقبل يريد ذلك.
والأمر عينه في دائرة الشمال الثانية، حيث غضّ المستقبل النظر عن ترشيح براء هرموش، نجل نائب الجماعة السابق أسعد هرموش، على لوائحه، مفضّلاً ترشيح منسّق الضنية هيثم الصمد إلى جانب النائب سامي فتفت عن مقعديْ الضنّية، بما يُريح الأمين العام للجماعة على الصعيد الداخلي، ويجعله حُكماً الخيار الوحيد والأقوى. علماً أن براء هرموش لا يعدّ محسوباً على الجماعة الإسلامية، كما يتم التعريف عنه بأنه باحث ومحلل سياسي.
يؤكّد المسؤول السياسي للجماعة الإسلامية في طرابلس والشمال الأستاذ إيهاب نافع لـ"أساس" اعتماد الجماعة ترشيح الأمين العام عزام الأيوبي في طرابلس، وكذلك الدكتور عماد الحوت في بيروت، بالإضافة الى الدكتور بسام حمود في صيدا، وعلي أبو ياسين في البقاع الغربي، ومحمد هوشر في عكار.
وإذ يؤكّد نافع وجود مباحثات واجتماعات مع تيار المستقبل ضمن إطار توحيد الصف المطلوب في هذه المرحلة الحسّاسة، لكنّه ينفي في الوقت عينه أن تكون هذه الاجتماعات قد تناولت أسماء المرشحين أو حتى الكلام في الأعداد وأمكنة الترشح، فلا شيء محسوم، والسباق الانتخابي لمّا ينطلق رسمياً بعد، وفي الفسحة الزمنية التي تفصلنا عن موعد الانتخابات قد تحصل الكثير من المتغيرات في البلد.
بيد أنّ السؤال الذي يطرح نفسه: ما هو موقف الجماعة الإسلامية، وأمينها العامّ بالتحديد، في حال وجود "فيتو" عربي على انضمام مرشّحيها إلى لوائح المستقبل، الذي يصْعُب عليه تجاوز هذا الفيتو مهما كانت الظروف والمبرّرات. علماً أنّ الأيوبي يتولّى منذ سنوات مسؤولية كبيرة في تنظيم الإخوان الدولي، أضف إلى ذلك أنّ الحريري بات يُقيم في دولة الإمارات التي تضع جماعة الإخوان على رأس لوائح الإرهاب؟
فيما السؤال الأبرز هو: هل تُعدّ الجماعة خياراً سياسياً وانتخابياً للجمهور السُنّيّ في ظلّ انكفائها خلال المرحلة السابقة، وغيابها عن التواصل مع الناس، بالإضافة إلى فشل مشروع الإخوان المسلمين في مصر وتونس والمغرب، وجنوح الإدارة في تركيا لمصالحة مصر؟