الجنوب-3: مُعارضة مُدجّنة... تحت سقف الحزب
انتصر حزب الله في دائرة الجنوب الثالثة (النبطية – مرجعيون – حاصبيا – بنت جبيل) قبل أن تبدأ المعركة الانتخابية.
انتصر حين تسلّل إلى اللائحة الوحيدة التي تواجهه، بأسماء يعرف القاصي والداني أنّها من بطانة الحزب وأجهزته المختلفة.
وانتصر حين بات "خطاب" المرشّحين ضدّه، و"البرنامج الانتخابي" الرسمي لهذه اللائحة، لائحة "معاً نحو التغيير"، يتبنّيان أدبيّاته، ومفرداته، ورؤيته السياسية، ولغته حتّى.
كان الأجدى بأهل هذه اللائحة أن ينسحبوا، ويتركوا لائحة الثنائي الشيعي تفوز بالتزكية، بـ20% أو 30% من الأصوات، بدلاً من تقديم "خصوم" على طبق من ذهب، لا يعارضون، ولا يفوزون، ويقدّمون صورة "المعارضة المُدجّنة"
فأيّ تغيير "تحت سقف" معادلة "الجيش والشعب والمقاومة"؟
في البرنامج الانتخابي لهذه اللائحة، في البند الأوّل، يطالب المرشّحون بـ"إرساء دولة القانون والمؤسسات...".
في البند الثاني يذهب البرنامج إلى "حقّ الدولة وواجبها في الدفاع عن أرض الوطن، وحماية حدوده وشعبه وثرواته الطبيعية، وفق السياسة الدفاعية الاستراتيجيّة والوطنية للدولة، الأمر الذي يتطلّب دعم قدرات وإمكانيات الجيش اللبناني بما يمكّنه من القيام بتلك المهامّ مع سائر القوى الأمنيّة والعسكرية".
جميل.
نصل إلى البند الثالث، وهو بند حزب الله الواضح: "تكريس حقّ الشعب اللبناني بالدفاع عن أراضي الوطن ومقاومة العدوّ الإسرائيلي بوجه خاصّ، بكلّ الوسائل التي تُقرّها المعاهدات والقوانين والأعراف الدولية وشرعة حقوق الإنسان، وبما لا يتعارض مع وحدة البلاد وسيادة الشرعية على كامل الأراضي اللبنانية".
هذا البند هو بند "الشعب والمقاومة"، بعد البند الثاني الذي هو بند "الجيش"، والأوّل الذي هو بند "الدولة". وبالتالي هذا البرنامج "تحت سقف حزب الله"، وليس تحت سقف المقاومة، لسبب بسيط هو أنّه لا يتحدّث عن "حجّة" مزارع شبعا، التي اخترعها ودبّرها في ليل معاونو حزب الله، ليحتفظ الحزب بسلاحه.
أين سمير وجورج ولقمان؟
البرنامج لا يأتي على دور سلاح حزب الله في "أسر" العملية السياسية في لبنان، من الاغتيالات التي لم تتوقّف منذ 2004 إلى لقمان سليم، الذي قتل على أراضي الجنوب وكان في دائرة هؤلاء المرشّحين، مروراً بـ7 أيّار 2008، وحكومة القمصان السود في 2011، والتهديدات المستمرّة للناشطين في الجنوب وغير الجنوب، وصولاً إلى استعمال لبنان منطلقاً لاستهداف الدول العربية، سياسياً وإعلامياً وعسكرياً ولوجيستياً...
برنامج انتخابي يدير الظهر لهاشم السلمان وسمير قصير وجورج حاوي (جورج يا رفيق علي)، وهنا المشكلة. هنا الأساس الذي جعل رفاقاً لهم الكثير من الاحترام والتقدير، يغرقون إلى جانب أسماء معيبة، ويوقّعون على برنامج انتخابي أقلّ ما يقال فيه إنّه كُتِبَ في حارة حريك.
برنامج لا يأتي على ذكر العلاقات مع العرب وعمق لبنان العربي. وهذا ما يريده حزب الله في بيئته. في حين ينتبه كاتبو البيان في البند 11 إلى ضرورة "رفض كلّ أشكال التطبيع مع العدوّ الإسرائيلي"، مع أنّه لم يطرح أحدٌ في لبنان التطبيع، لا خجلاً ولا علناً. وهذا البند يعتبر بمثابة تصويب على العرب.
أما البنود الأخرى فتغرق في الـ"كلن يعني كلن"، وفي الحديث عن الأزمة المالية، وضرورة تطوير المناهج التربوية والبيئة والعلمانية قوانين الأحوال الشخصية وتطوير النظام المالي والاقتصادي... في ما يؤشّر إلى رغبة في الهروب من السياسة، بمعناها العميق، إلى السياسة الـ"لايت"، الخفيفة، التي لا تزعج مشايخ الحزب ولا تستفزّ سلاحه وماله وتمويله العلني من دولة أجنبية وتدخّله في دول أخرى.
2018 والوضوح الثوريّ
في 2018 كان المرشّحون المعارضون لحزب الله في دائرة الجنوب الثالثة واضحين في رفض السلاح غير الشرعي وتحكُّمه بالعملية السياسية في البلاد. كان كلامهم واضحاً خلال إعلان ترشيحاتهم.
اليوم، هناك لائحة "موحّدة" لقوى التغيير في هذه الدائرة، تجد فيها الشيوعي واليساري الـEx شيوعيّ، والقريب من الحرس الثوري، في الورقة نفسها.
لائحة المعارضة في الجنوب سقطت في امتحان "الخطاب" و"البرنامج"، ويكفي أنّها اختزلت الصراع السياسي في لبنان باعتباره صراعاً بين "فاسدين" و"ملائكة"، أو بين سارقين ومسروقين
المحامي حسن عادل بزّي على سبيل المثال، صفحته على فيسبوك ممتلئة بالتمجيد بـ"المقاومة"، وخلال إعلان ترشّحه رفض أن "يكون الأزعر إلي حاكمني، إبنو يحكم إبني". ومعروف أنّ جزءاً من الناشطين من داخل بيئة حزب الله يتحدّثون عن "الزعران" و"الفاسدين"، ويقصدون أنّ هؤلاء "خارج حزب الله والمقاومة"، ويدعون حزب الله إلى "محاربتهم". وقد قدّم بزّي نفسه باعتباره ناشطاً في "المقاومة الثقافية والسياسية المستمرّة.. ندافع عن الأسرى في المحافل الدولية...".
الرفيق الدكتور علي مراد تحدّث في خطاب إعلان اللائحة عن أنّ "المشكلة الاقتصادية والانهيار المالي أصلهما المشكلة السياسية في النظام السياسي والنموذج الاقتصادي وكيف أُدير البلد آخر 30 سنة". وفي هذا تبرئة كاملة لحزب الله ودوره في حماية هذا النظام، ودوره في دفع لبنان إلى معاداة العرب وإلى العزلة السياسية والمالية التي نعاني منها. وفي هذا "تطنيش" غير مقبول عن دور السلاح في الانهيار الذي وصلنا إليه.
المرشّح فراس حمدان (الدرزي – حاصبيا) قال: "قدرنا أن نكون منتفضين بوجه الاحتلال الصهيوني وصولاً إلى ليلة 17 تشرين حيث كسرنا قيود الخوف بين المناطق وانتفضنا معاً من أجل دولة العدالة". وفي هذا قمّة "التقيّة" وخفض الجناح لحزب الله ومنطِقه.
المعارضة المُدجّنة
ثمّ كانت كلمة إبراهيم عبدالله (المقعد الشيعي – مرجعيون) الذي يعتبر نفسه "مرشّح المودعين بصفته عضواً في رابطة المودعين". وقد توجّه إلى الأهالي قائلاً: "ثلاث سنوات وكلّ الناس عم تنق من كلّ الطوائف والأحزاب ولكنّهم اليوم يلتفّون حول الزعيم والحزب تحت عنوان المصلحة الكبرى، فما النفع إذا عاش الزعيم ومات الوطن؟".
وتحدّث الإعلامي محمد قعدان (المقعد السنّيّ – حاصبيا) عن أهميّة "دور اللبناني في العالم الذي نطالبه اليوم بالقيام بدوره الريادي على أرض الوطن".
كلّها كلمات تغافلت عن الخلاف الأساسي مع حزب الله، وهو استثمار سلاحه في صناعة المشهد السياسي وفي تهديد خصومه. وبدت اللائحة أقرب إلى طروحات الحزب، فلماذا ينتخب الفرعَ مَن يمكنه الذهاب إلى النبع؟
لائحة المعارضة في الجنوب سقطت في امتحان "الخطاب" و"البرنامج"، ويكفي أنّها اختزلت الصراع السياسي في لبنان باعتباره صراعاً بين "فاسدين" و"ملائكة"، أو بين سارقين ومسروقين، ورضخت لعنوان "الجيش والشعب والمقاومة"، كي تكون لائحة غير معارضة، بل صورة منقّحة عن لوائح حزب الله وحركة أمل.
كان الأجدى بأهل هذه اللائحة أن ينسحبوا، ويتركوا لائحة الثنائي الشيعي تفوز بالتزكية، بـ20% أو 30% من الأصوات، بدلاً من تقديم "خصوم" على طبق من ذهب، لا يعارضون، ولا يفوزون، ويقدّمون صورة "المعارضة المُدجّنة".
هذه ليست معارضة. وهذا ليس برنامجاً انتخابياً يحترم الشهداء من المعارضين.
محمد بركات- اساس ميديا