الحريري خارج الانتخابات: غياب البديل أم جبهة سنّية برعايته؟
كتب منير الربيع في المدن:
ليس مناورة
القرار عمره زمن، عندما أبلغه الحريري لأشخاص مقربين منه، كثر لم يصدقوا. وضعوا هذا الموقف في سياق الاستعطاف أو المناورة. هو الذي اعتاد هذا النوع من السياسات التي تقوم على الإثارة والتشويق، وإشعار البيئة والجمهور بأنهم في حاجة دائمة إليه. ولطالما انتهج سلوكاً يوحي فيه بالسير باتجاه معيّن ومن ثم ينتهج أمراً معاكساً، فتكون عناصر المفاجأة لديه حاضرة.
حتى عندما تكاثر الكلام خلال لقاءاته مع مختلف الشخصيات السياسية التي زارته مكرراً التأكيد بأنه يفكر جدياً بعدم الترشح، لم يستقّر الآخرون على هذا الرأي، وظنوا أن الرجل لا يزال ينتهج هذه المناورة، ليثبت للجميع داخل لبنان وخارجه بأن لا بديل عنه. إلا أن ذلك لم يكن صائباً في هذا المجال. الاجتماعات التي عقدها الحريري يوم الجمعة مع كتلة المستقبل وهيئة الرئاسة لم تخرج بأي موقف واضح، لكن الحريري كان صريحاً بأنه لن يكون مرشحاً للانتخابات النيابية، وكذلك يفضّل بالنسبة إلى التيار "لأن لا شيء سيتغير".
مشاريع تتقاذف البلد
لم يعلن الحريري موقفه النهائي بعد، ويفضل الانتظار حتى الإثنين المقبل. ولم يعط سرّه لا لنواب الكتلة ولا لأعضاء هيئة الرئاسة في التيار. لكن النواب وأعضاء هيئة الرئاسة ناقشوه، وبعضهم اعترض على قراره بالعزوف، لا سيما أن لا بديل عن تيار المستقبل داخل البيئة السنّية، وأن الانسحاب يتنافى مع حقيقة وجدان الشارع والجمهور. بعض النواب وأعضاء هيئة الرئاسة كانوا في حالة من الغضب، لكن الحريري ناقشهم بأن الفوز في الأكثرية لن يؤدي إلى أي تغيير، في ظل المشاريع التي تتقاذف البلد. وبالتالي، هو سيتحمل مسؤولية الانهيار كما الآخرين، ولذلك يفضل عدم الدخول في مثل هذه التجارب مجدداً. وهو مقتنع أيضاً أنه حتى لو عقد تحالفات مع قوى سياسية، فإن كل طرف سيكون مركزاً على مصالحه بعيداً عن المصلحة العامة.
اثنين الحسم
أشار الحريري إلى أنه سيستكمل لقاءاته مع القوى السياسية. ويفترض أن يلتقي الرئيس نبيه برّي، وليد جنبلاط، والبطريرك الماروني بشارة الراعي. وحسب المعلومات، فإن اتصالاً هاتفياً أجري بين الحريري وبرّي، فتوجه رئيس المجلس للحريري بالقول: "شو بدك تجي تخبرني إنك ما رح تترشح؟!". وتعتبر المصادر المتابعة أن برّي منزعج بشكل كبير من قرار الحريري، ولطالما سعى لإقناعه بالعدول عن قراره.
وبعد هذه اللقاءات سيعقد الحريري مؤتمراً صحافياً يوم الإثنين المقبل، يعلن فيه الموقف النهائي. وقد طلب من نواب كتلة المستقبل أن يكونوا حاضرين خلال إعلانه عن موقفه. وهذا يعني أن موقفه يجب أن يكون ملزماً لجميع أعضاء الكتلة والتيار، أو أن يلزم الجميع بموقفه القاضي بالعزوف عن الترشح. كذلك يناقش الحريري مع رؤساء الحكومة السابقين في قراره. لا أحد يعلم ماذا سيعلن الحريري صراحة الإثنين. ولكن هناك احتمالات متعددة حول هذا الأمر. فالبعض يعتبر أنه يقد يعلن عزوفه كما عزف تيار المستقبل عن الترشيح، فيما البعض الآخر يعتبر أنه قد يعزف شخصياً ويترك حرية الخيار لنوابه. أما آخرون فيشيرون إلى أنه قد يعلن عزوفه وفيما بعد يعلن عن إيكال مهمة إدارة الانتخابات لشخصيات أخرى. كذلك تعتبر المصادر أن الحريري قد يحاول إقناع رؤساء الحكومة الأربعة برفض الترشح ومقاطعة الإنتخابات. فإن حدث هذا سيشكل تحدياً ميثاقياً للاستحقاق الإنتخابي. وقد يكون ذلك ذريعة للبدء في نقاش تأجيل الانتخابات.
الجمهور السنّي وصوته
ثمة أسئلة كثيرة تُطرح عن ما بعد عزوف الحريري عن الترشح، فهل سينطبق ذلك على كل عائلة الحريري؟ وهل يشمل ذلك النائبة بهية الحريري في صيدا أم لا؟ بعض المصادر تقول إن بهية الحريري مستمرة في موقعها. والسؤال الثاني هو من سيقود انتخابات تيار المستقبل؟ لأن نسبة كبيرة من الجمهور السني لا تزال تعتبر أن الحريري وتياره هما الخيار الأفضل بالنسبة إليهم. وعليه، فإن قضية الحريري المركزية ليست بترشحه الشخصي، ولكن هل سيقود الحملة السياسية والانتخابية لتيار المستقبل؟ وهذه تقتضي بقاءه في بيروت على رأس كتلته وكوادره. فهو زعيم ليس بحاجة إلى الترشح، إلا أن الأهم في ذلك أن يكون على رأس عمله السياسي في بيروت والمناطق. فالجمهور السنّي يريد التصويت له أو لمن يمثله، بشرط أن يكون موجوداً بينهم. لأن غياب الحريري وعدم تشكيله بنفسه للوائح والتحالفات، يفرض معرفة من هي الشخصيات أو الشخصية التي ستقوم بذلك، وكيف سيتم تعبئة الفراغ الذي سيتركه.
بحال لم يكن الحريري حاضراً في الدعم والتنظيم، فإن ذلك سيفترض اختيار البديل، عبر تشكيل ربما جبهة سنّية من بيروت إلى صيدا وطرابلس وعكار والبقاع. وبحال عدم التنسيق للاتفاق على البديل، فإن ذلك سيعيد إحياء وإنتاج الزعامات المناطقية، بحال استمرت الانتخابات في موعدها.