القوات تنزع " الشوادر" عن "أسلحتها الإنتخابية "
كتب جان الفغالي في "أخبار اليوم":
يَجمع رئيس حزب القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع بين "قناعاته المبدئية" و"واقعيته السياسية" في مقاربة ملف الإنتخابات النيابية، فبالنسبة إليه "الخيار " يفرض "الاختيار" ، وهذا مفهوم طبَّقه بين 1985 و1994 ، مرورًا بمحطاته البارزة : 1986 و1988 و1990و 1992 وصولًا إلى 1994 . في كل سنةٍ من هذه السنوات، وفي كل محطةٍ من هذه المحطات، كانت هناك "خيارات" يجب ان تُتخذ، فكانت هناك "اختيارات" لأشخاص لأنجاز تلك الخيارات. بمعنى أن لكل مرحلة رجالها ، ولأن في لبنان تكثر المراحل وتتداخل، فإن عملية الاختيار ليست سهلة على الإطلاق.
السلاح الأمضى في يد الدكتور جعجع، التخطيط، وعدوه الأشرس الظروف، حين يتفوق التخطيط على الظروف، يتقدَّم، وحين تتقدم الظروف يتراجع. ذلك هو قدَرُه من القطَّارة إلى معراب.
بعد الطائف، اختار روجيه ديب ليكون وزيرًا، علمًا ان الرئيس الراحل الياس الهراوي "تمنى" عليه ان يكون نادر سكر هو الوزير، لكن "الخيار" حتَّم "الاختيار"، كذلك الظروف ايضًا.
استشعر النظام الامني ، اللبناني السوري، باكرًا. عبَّر عن ذلك في احد مؤتمراته الصحافية عام 1994، وكان منقولًا مباشرة على الهواء، حين تحدث عن ان "هناك دولة، وهناك دولة الآخرين". بعد انتهاء مؤتمره الصحافي اتصل به اللواء جميل السيِّد، نائب مدير المخابرات في الجيش اللبناني آنذاك، والذي يبدو انه كان يتابع وقائع المؤتمر، وقال له: "معك دولة الآخرين".
ضاقت الخيارات عام 1994 فكان خيار المعتقل لا الهروب.
من العام 2005، تاريخ الخروج من السجن، إلى اليوم، توسعت الخيارات انما الظروف كانت بالمرصاد في معظم الاوقات، لكنها لم تَحُل دون التقدم في دورات الانتخابات المتلاحقة فحصد كتلة نيابية فاق عدد نوابها كتلة الكتائب ايام مؤسس حزب الكتائب الشيخ بيار الجميل، في انتخابات 1972، وما يوازي عدد نواب كتلة الرئيس كميل شمعون في دورة الانتخابات ذاتها.
يُدرِك الدكتور جعجع ان الانتخابات النيابية لهذه السنة مفصلية بامتياز، فقد تحمل بذور"الربيع اللبناني"، ولهذا بدأ بنزع " الشوادر" عن اسلحته الإنتخابية ، إيذانًا بقرب بدء المعركة .
ومع نزع، الشوادر، ولو جزئيًا، بدأت تتكشف الوجوه والاسماء :
في دائرة بيروت الاولى، غسان حصباني وريشار قيومجيان .
في المتن الشمالي ملحم الرياشي ورازي الحاج .
في بعبدا بيار بو عاصي
في الشوف جورج عدوان
في كسروان شوقي الدكاش
في جبيل زياد حواط
في البترون غياث يزبك
في الكورة فادي كرم
في بعلبك الهرمل انطوان حبشي
في زحلة جورج عقيص
في بشري ستريدا جعجع وجوزيف اسحق
في مرجعيون فادي سلامة .
(وهناك اسماء قيد التداول في غير دائرة ، كدائرتي جزين وزحلة، لكن لم تحسَم نهائيًا بعد )
في قراءةٍ اوليَّة لهذه الأسماء ، يمكن استخلاص الرسائل التالية :
هناك اسماء "مقاتلة" كالوزيرين السابقين بيار بو عاصي وريشار قيومجيان .
وهناك اسماء يوجِّه من خلالها الدكتور جعجع رسالة إلى مَن يعنيهم الأمر مفادها ان التفاهم خيار وقناعة ولم يكن ردة فعل، بدليل اختيار الوزير السابق ملحم رياشي عن احد المقاعد في المتن الشمالي، وهو احد طرفي الإعداد لتفاهم معراب مع النائب ابراهيم كنعان، في مقابل أنه أحد طرفَيْ المواجهة بينه وبين النائب الياس بو صعب، ومن دلائله الاشتباك السياسي الاعلامي بينهما على قناة MTV .
وهناك اسماء نجحت في أدائها تشريعيًا وخدماتيًا ومواقف سياسية، فاستحقت إعادة التسمية كالنواب جورج عدوان وجورج عقيص وانطوان حبشي (تشريعيًا) وستريدا جعجع وشوقي الدكاش وزياد حواط (خدماتيًا) . وهناك مرشحون لديهم اسلوبهم في العمل الصامت ، والمجدي، مثل فادي سلامة الذي سيتم ترشيحه في مرجعيون .
وتبقى قيد التداول سائر الدوائر ولاسيما عاليه وزحلة وجزين والبقاع الغربي حيث للقوات اللبنانية ثقلٌ وحضور.
في هذه التسميات تكون القوات اللبنانية قد رسمت الملامح الاولى لكتلتها النيابية والتي يُرجَّح ان يزيد عددها عما كانت عليه في انتخابات 2018 . وتكون بذلك الحزب الوحيد الذي رفع عدد نوابه من فئة العشرة نواب إلى فئة الخمسة عشر نائبًا إلى فئة ما فوق الخمسة عشر.
لكن التقدم في السياسة لا يكون فقط عبر صناديق الإقتراع، وعبر رفع عدد الكتلة النيابية يُدرِك جيدًا الدكتور جعجع هذا الواقع . كتلة حزب الله سيكون عدد نوابها ثابتًا، وهو اقل من عدد نواب القوات اللبنانية ، لكن الحزب يسيطر على قرار السلطة التنفيذية، فهناك " السلطة " وهناك "سلطة الآخرين"، خَبِر الدكتور جعجع ذلك جيدًا عام 1994، ويعرفه اليوم جيدًا.