مرشح؟ إتصل بنا
الكتائب من دون مرشحين في دائرة المتن في انتخابات ١٩٥٣

الكتائب من دون مرشحين في دائرة المتن في انتخابات ١٩٥٣

كتب الباحث في تاريخ الانتخابات النيابية د. مارك م. أبو عبدالله:
أشرف على هذه الانتخابات حكومة برئاسة صائب سلام تشكّلت في ١ ايار ١٩٥٣، واسندت الى سلام وزارتا الداخلية والدفاع الوطني. وبسبب ضغط كتلة نواب البقاع على توزير احد نوابها ، جرى الاتفاق مع الرئيس المكلف، صائب سلام، على توزير النائب الكتائبي جان سكاف، والتي أسندت اليه وزارة الزراعة والشؤون الاجتماعية.

وفي حين أتت مشاركة الكتائب على أساس تنفيذ منهاج الحزب المتعلق بإنشاء وزارة التصميم والتعمير والسهر على تطبيق القانون تطبيقًا كاملاً، كان لرئيس الجمهورية ورئيس الحكومة اهدافًا أخرى من وراء هذا التوزير. فقد ارتئ الاثنان وقتذاك تشكيل حكومة برلمانية وتوزير النائب جان سكاف بهدف وضع الكتائب في مواجهة مع معارضة الجبهة الاشتراكية من جهة، ومن جهة ثانية، تخفيف ضغط المعارضة الذي كان ينمو بسبب الخلاف بين رئيس الجمهورية والنواب حول قانون الانتخابات النيابية. وتجدر الإشارة الى ان رئيس الحكومة صائب سلام لم يترشح لهذه الانتخابات.

 

اما في ما يتعلق بقضاء المتن الشمالي، فقد فصل المرسوم رقم ٦ والصادر في ٤ تشرين الثاني ١٩٥٢ قضاء المتن عن قضاء بعبدا، وجرى تقسيم قضاء المتن الى دائرتين انتخابيتين، الأولى دائرة المتن الشمالي والثانية دائرة برج حمود. وضمت هذه الأخيرة، وبالإضافة الى برج حمود كل من الجديدة، السد، البوشرية، سن الفيل والدكوانة.

 

في ٢٠ حزيران، اعلن المرشح ديكران توسباط ترشحه عن المقعد الأرمني في دائرة برج حمود. واعلن في مقال نشره في جريدته الفرنسية Le Soirعن تلقيه الدعم المطلق من قبل ريمون اده والكتلة الوطنية، وحزب الطاشناق، والكتلة الأرمنية (الأرمن المستقلون المقربون من حزب الطاشناق)، ومن سكان الجديدة والبوشرية والسدّ، والدكوانة، وسن الفيل وبرج حمود. هذا فضلاً عن الدعم الذي لقيه من رئيس الجمهورية كميل شمعون. ومن المرجح ان يكون الدعم الذي تلقاه توسباط في هذه الدورة من حزب الطاشناق عائد الى عدم إرادة هذا الأخير في خوض الانتخابات النيابية بمرشح حزبي، كي لا تتحول المعركة الى معركة داخلية بين الأرمن. إلا ان الأرمن الشيوعيين قاموا في المقابل بترشيح وارتين مادويان.

 

أما في دائرة المتن، فعلى الرغم من إعلان رئيس حزب الكتائب الشيخ بيار في ٩ نيسان ١٩٥٣ المشاركة في العملية الانتخابية في كافة الدوائر، إلا ان الكتائب لم تقم بترشيح احد في المتن. وقد يكون ذلك عائد الى مجموعة عوامل مترابطة، منها الجدال الذي كان قائمًا وقتذاك داخلة أروقة البيت المركزي حول سؤال محوري ألا وهو: "ما هو دور الكتائب بعدما اصبح الاستقلال كاملاً ناجزًا؟ بالإضافة الى ذلك ان الكتائب وجدت صعوبة بتشكيل لائحة في دائرة المتن وذلك نظرًا للعلاقة الحذرة التي كانت تقوم وقتذاك بين رئيس الجمهورية كميل شمعون والشيخ بيار الجميل، خاصة مع تمسّك هذا الأخير بالسعي الى الحكم وفق الادبيات الموروثة عن منظمة الكتائب التي شاءت نفسها "فوق الأحزاب السياسية" أي فوق لعبة السلطة. في المقابل، لم يرد الرئيس شمعون ان يحكم فقط وحيدًا بل أراد ان يحكم ايضًا قويًا، لذلك اقام من حوله زنارًا من الحلفاء والموالين، ومن اهمهم ريمون اده وشقيقه بيار وغسان تويني واميل البستاني، والذين لم يكونوا على علاقة جيدة بالشيخ بيار الجميل. تألفت بعد ذلك لائحتان في المتن ضمت الأولى غبريال المر واميل لحود، والثانية البير مخيبر وحبيب عقل. اكتفت هنا الكتائب بدعم لائحة المر-لحود في المتن.

اما في ما يتعلق ببقية الدوائر، فقامت الكتائب بترشيح رئيس منطقة دير القمر الكتائبية، فيليب البستاني عن دائرة دير القمر-شحيم، والذي رشحه ايضًا الشباب الديري، وجوزيف شادر، نائب رئيس الحزب، وعضو المكتب السياسي، ونائب بيروت، عن الدائرة الخامسة (ميناء الحصن-دار المريسة-المرفأ) ، وموريس الجميل عن المقعد الماروني في الدائرة الثانية في بيروت حيث تحالف مع نسيم مجدلاني، من الحزب الاشتراكي والذي ترشح عن مقعد الروم الارثوذكس. واتى هذا التحالف مع الحزب الاشتراكي بهدف التعاون من اجل لبنان "حر، سيد، مستقل، ومن اجل شعب يحيا مطمئنًا الى جميع حقوقه والى غده". كما رشحت الكتائب احد أعضائها وهو ميشال عون عن دائرة عاليه-الشويفات، لكن الحزب عاد وسحب ترشيحه. وخلال الحملة الانتخابية، وبهدف حثّ محازبيها على الاقتراع لمرشحيها الثلاث، موريس الجميل، وجوزيف شادر وفيليب البستاني، اكدت الكتائب على ثلاث أمور سيعمل نواب الكتائب على تحقيقها  وهي: تركيز الحكم على أساس الأحزاب العقائدية، جعل النائب مسؤولا امام الحزب ومقيدًا بدستوره ومقرراته، وتمكين الأحزاب النظامية من هندسة المجتمع وبنائه.

ويبدو من خلال هذا الخطاب السياسي ان الكتائب ارادت احداث تغيير جذري في العمل السياسي وتعاطي الشأن العام في لبنان، من خلال مأسسته وجعل الأحزاب، بدل القيادات التقليدية، الإطار الاساسي لتطوير المجتمع. وبدأت الكتائب منذ ذلك الوقت السير في هذا النهج من خلال تطوير المؤسسات والآليات الحزبية الداخلية.

 

في الدائرة الخامسة في بيروت، واجه جوزيف شادر عن مقعد الأقليات المرشح شفيق ناصيف، الذي شن حملة على المرشح شادر متهمًا إياه، بطريقة غير مباشرة، بأخذ أوامره من حزبه وبخضوعه لتوجيهات قد تكون، ووفق شفيق ناصيف في غير مصلحة ناخبيه. وخلال العملية الانتخابية، جرى، ووفق جريدة النهار المملوكة من المرشح غسان تويني، المدعوم من القوميين السوريين، اتهام مجدلاني-الجميل برشوة الناخبين من خلال سماسرتهم الذين اطلقت يدهم في شوارع الدائرة الثانية في بيروت. في المقابل شنت جريدة العمل الكتائبية حملة دعائية واسعة لإظهار تراجع شعبية تويني وحليفه النقاش طيلة شهر تموز من العام ١٩٥٣.

 

اما في ما يتعلق بالنتائج، فقد فاز مرشح الكتائب جوزيف شادر في الدائرة الخامسة في بيروت عن مقعد الأقليات. وقد يعود فوزه بالدرجة الاولى الى وفرة المرشحين في الدائرة الخامسة (خمسة مرشحين) والتي وفرت له الفوز بستين صوتًا على ادمون رباط. اما في العوامل البعيدة التي ساهمت في فوز شادر فكانت متعلقة على الأرجح بخطاب الكتائب السياسي والنهج الذي اعتمده شادر في المجلس النيابي السابق. فنذكر هنا على سبيل المثال قيام جوزيف شادر مع النواب جان سكاف والبير الحاج، في ١٨ كانون الأول ١٩٥٢ بتقديم اقتراح يوصي الحكومة ان تعمل على الغاء الطائفية السياسية من قانون الانتخابات، وان تعمل على إقرار قانون مدني واحد لسائر اللبنانيين على اختلاف طوائفهم، كما وان تعمل على إلغاء قوانين الأحوال الشخصية والمحاكم الشرعية والمذهبية لكل الطوائف. وتُشكّل هذه الأفكار جزءًا من الخطاب التطويري في تلك الفترة. إلا ان نجاح الكتائب في تبني هكذا خطاب فيعود الى ان المجتمع اللبناني، وخاصة المسيحي، لم يكن يرتاب كثيرًا من هكذا مضمون، خاصةً وانه لم يكن يشعر في تلك الفترة من خوف كبير على وجوده الحر. اما في الدائرة الثانية في بيروت، فرسب مرشح الكتائب موريس الجميل، وقد يكون رسوبه هذا عائدًا بصورة أساسية تواجده في المستشفى خلال الحملة الانتخابية، كما الى القوة الإعلامية والسياسية اللتان تمتع بهما غسان تويني والفرد نقاش.

 

اما في ما يتعلق في تدني نسبة المشاركة في دائرة برج حمود، والتي بلغت ٢٦،٦٪، فعائد الى اعتبارات عديدة منها ما هو تاريخي ومنها ما هو متعلق بعلم النفس الاجتماعي la sociopsychologique. فالأرمن الذي تعرضوا وقبل اقل من نصف قرن، أي بحدود جيل واحد، يفضلون تفادي المواجهات الداخلية في ما بينهم مخافة ان يؤثر ذلك سلبًا على وجودهم وبالتالي دورهم الاقتصادي والاجتماعي.

 

أبعدت هذه الانتخابات في المتن، كما في سائر دوائر جبل لبنان، زعامات تنتمي الى عائلات سبق لها وان شغلت، عبر عناصر منها، مناصب نيابية ووزارية في غير مجلس نيابي او وزاري بعد قيام دولة لبنان الكبير. من هذه العائلات نذكر، على سبيل المثال لا الحصر، نعيم، مزهر، عقل، مخيبر، البستاني، الخطيب، تقي الدين، تلحوق، زيادة وغيرها.