مرشح؟ إتصل بنا
الكتائب تخوض الانتخابات النيابية ١٩٦٠

الكتائب تخوض الانتخابات النيابية ١٩٦٠

كتب الباحث في تاريخ الانتخابات النيابية د. مارك م. أبو عبدالله عن الكتائب التي خاضت الانتخابات النيابية ١٩٦٠ :
بعد عشرة أيام على إصدارها مرسومًا بحلّ مجلس النواب المنتخب عام ١٩٥٧، استقالت الحكومة التي كانت برئاسة رشيد كرامي في ١٤ أيار ١٩٦٠، فسحًا في المجال امام حكومة جديدة محايدة من خارج البرلمان ترأسها احمد الداعوق وعضوية: جبران نحاس، فيليب تقلا، فؤاد نجار، امين بيهم، ادمون كسبار، جورج نقاش وحسن عواض المقداد. 

وكانت مهمتها فقط الاشراف على حسن سير الانتخابات، ومكثت شهرين وخمسة عشرة يومًا. ونظر الرئيس فؤاد شهاب الى هذه الانتخابات، من بوابة المواصفات نفسها التي أراد ان يطبع حكمه بها، بتحدثه عن "الفضيلة والنزاهة والأمانة للواجب والخبرة والكفاية الفكرية والعلمية" على انها "مزايا ومقاييس صحيحة للاعتماد عند الاختيار". ودُعيت الهيئات الناخبة للاقتراع بين يوم الاحد ١٢ حزيران والأحد ٣ تموز ١٩٦٠.

وفي ١٨ اذار اصدر المكتب السياسي الكتائبي قرارًا قضى بإنشاء هيئة خاصة تدعى مجلس الانتخابات مؤلفة من خمسة أعضاء من المكتب السياسي للإشراف على إدارة الانتخابات بواسطة لجنة الانتخابات المركزية، والاهتمام بجميع شؤون الانتخابات السياسية. كما تقرر انشاء هيئة خاصة تدعى اللجنة الانتخابية المركزية تتولى اشراف مجلس الانتخابات تنظيم وإدارة كافة العمليات الانتخابية من إدارية وفنية ومالية. ويحظر عليها الاهتمام بشؤون الانتخابات السياسية. وفي جلسة عقدها المكتب السياسي الكتائبي مساء السبت في ٧ أيار ١٩٦٠ قرر اعلان الترشيحات التالية: بيار الجميل وجوزيف شادر عن دائرة بيروت الأولى، جاك شديد عن دائرة البترون، عبده صعب عن دائرة المتن الجنوبي (بعبدا)، موريس الجميل عن دائرة المتن الشمالي، ولويس أبو شرف عن دائرة كسروان.

اتاحت هذه الانتخابات للشعبة الثانية الحصول على موطئ قدم في معظم المناطق، ومن خلالها في البلديات ولدى الوجهاء والقبضايات المحليين، لدعم المرشحين الموالين للحكم الجديد ومواجهة خصومه. دعمت بيار الجميل على رأس لائحة مرشحًا للمرة الأولى للنيابة في الدائرة الأولى من بيروت ضد لائحة بيار اده. بدا رئيس الجمهورية متمسكًا بوصول رئيس حزب الكتائب الى مجلس النواب أيًا تكن وطأة الضغوط. وكان الهدف من ذلك محاصرة كميل شمعون والحيلولة دون اتفاق الجميل وشمعون فيما بينهما. ومن دوافع تأييد شهاب للجميل ولمرشحي الكتائب كان ان الرئيس فؤاد شهاب تعويل هذا الأخير على بيار الجميل في دعم عهده ومنحه شعبية مسيحية كان يفتقر اليها. وفي ظل فؤاد شهاب استأثر بيار الجميل بامتياز السيطرة الانتخابية على الدائرة الأولى في بيروت وعلى دائرة المتن التي ترشح عنها ابن خاله موريس الجميّل.

وفي الخطاب الانتخابي، كان الرئيس الشيخ بيار الجميل يذكر دائمًا، ومع بداية كل مهرجان او تصريح انتخابي، بتضحيات الكتائب منذ تأسيسها. كما كان هناك تشديد من قبل الجميل على ذكر الإنجازات التي حققها، خاصة في المجال الاجتماعي والاقتصادي، ومنها الضمان الاجتماعي والتطبيب المجاني. وتعود أهمية هذين المشروعين، ووفق الشيخ بيار الجميل، الى انهما سيحدثان ثورة اجتماعية وسيضعان لبنان في مقدمة دول الشرق الأدنى والاوسط. وفي ٣ حزيران ١٩٦٠، قام اركان لائحة الكتائب في المتن بجولة في بعض انحاء المتن فزاروا الخنشارة والمتين وبتغرين واستقبلوا بتظاهرات شعبية رائعة ان دلت على شيء فإنما تدل على مدى الثقة التي تتمتع بها هذه اللائحة.
اما في ما يتعلق بالنتائج، اتاحت هذه الانتخابات خطوة نادرة لبيار الجميّل بترأسه كتلة نيابية من ستة نواب. ولكن تجدر الإشارة الى ان مرشح الحزب في البترون، جاك شديد، والذي خاض الانتخابات في لائحة جمعته بالمرشح منوال يونس والذي حاز على ٦٥٣٦ صوتًا، رسب امام كميل عقل الذي حصل على ٧٠٠١ جان حرب الذي حصل على ٦٩٠٦. في حين انضم الى كتلة الكتائب المرشح الفائز في دائرة جزين باسيل عبود. كانت هذه هي المرة الأولى التي تحصد الكتائب مقعدًا نيابيًا لها في دائرة المتن الشمالي، معقلها الرئيسي.

يعود نجاح مرشحي الكتائب بشكل عام في كافة الدوائر الى عاملين رئيسيين ومترابطين، يتمثّل الأول في نجاح الكتائب في الظهور بمظهر القوي والقادر على حماية المسيحيين كما وعلى حماية الكيان اللبناني في وجه مشاريع الوحدة العربية، وقد تجلّى ذلك بصورة واضحة قُبيل احداث ١٩٥٨ وخلالها كما وخلال الثورة المضادة. وانعكست صورة الكتائب هذه في وجدان المسيحيين من خلال الاقبال على الانتساب الى الحزب. ففي تقرير قدمه امين عام حزب الكتائب خلال المؤتمر العام الخامس للحزب الذي انعقد في مدينة شتورة في البقاع في أواخر أيلول عام ١٩٦٢، ورد فيه ارتفاع نسبة المنتسبين الجدد للحزب الى حوالي ٧٦٪. اما العامل الثاني فيتمثّل في دخول الكتائب الى السلطة من الباب العريض وبشخص رئيسها، بيار الجميل، ما زاد الكتائب قوةً ونفوذًا. على الرغم من ان بيار الجميل لم يكن كثيرًا متحمسًا لهذا الدور الجديد، ورأى في هذه المشاركة على انها مشاركة في "لجنة انقاذ وطني" لا في حكومة، ولأجل محدد: ١٥ يومًا كانت، في نظره، كافية لإعادة الأمور الى نصابها. وقد يكون هذا الموقف طبيعي بالنسبة لحزب قضى معظم سنواته قبل العام ١٩٥٨ في المعارضة. إلا انه وفي السنوات الأولى للعهد الشهابي، وبسبب الدعم الكبير الذي لاقه الرئيس فؤاد شهاب من الشيخ بيار الجميل، راح نفوذ الكتائب يتنامى في البلدات والقرى مستفيدًا من الحظوة التي قدمها له رئيس الجمهورية ورجال حكمه. وبالإضافة الى ذلك، ساعدت التقسيمات الانتخابية، وخاصة في بيروت، في حصول الكتائب على كتلة من ستة نواب. إذ تقصّد الرئيس فؤاد شهاب وضع هذه التقسيمات بهذه الطريقة لتعزيز نفوذ كل من كمال جنبلاط وبيار الجميل. فلقد بقي فؤاد شهاب طيلة عهده يفتقد لشعبية مسيحية كبيرة، وقد قال في هذا الاطار: "مهما فعلت للمسيحيين والموارنة، فإن اسم جدّي هو حسن". وقد يكون هذا هو الدافع الأول وراء اتجاه الناخبين للتصويت لمرشحي الكتائب، خاصة في دائرة المتن الشمالي. ومن الظروف المحلية التي ساعدت ايضًا الكتائب كان تلاقي سياستها العامة، القائمة ومنذ تأسيسها على الولاء الحصري للبنان، مع سياسة الحياد التي انتهجها الرئيس فؤاد شهاب. بالإضافة الى هذه العوامل، يعود النجاح الذي كانت حققته لوائح الكتائب الى للعمل المنتج الذي قام به وزراء الحزب. إذ تحول المكتب السياسي الكتائبي خلال تلك الفترة الى خلية نحل، فأضاف الى اجتماعه الأسبوعي مساء كل ثلاثاء، اجتماع عمل كل خميس يعقده، مداورة، في منازل أعضائه الواحد تلو الآخر. كما ونجحت الكتائب في ان تتكيّف، ذاتيًا، مع انتقالها من الشارع الى الحكم.

بالإضافة الى الدور السياسي الذي لعبته الكتائب في السنوات الأولى من عهد الرئيس فؤاد شهاب، ارادت الكتائب ايضًا ان تلعب دورًا في تطوير المجتمع عبر تناولها لقضايا مجتمعية، من بينها على صعيد المثال لا الحصر موضوع علمانية الدولة اللبنانية، أي حياد الدولة تجاه كافة المعتقدات الدينية. فقد ورد في هذا المجال في المؤتمر الثاني للكتائب في تشرين الأول ١٩٥٩ ما يلي:
اعتبار مستقبل لبنان مرهونًا بوحدة بنيه والسعي لتوطيد هذه الوحدة:
- بإزالة ما يعيق تتميم علمنة الدولة.
- بتحقيق العدالة الاجتماعية.
- بمضاعفة الاهتمام بالمناطق المحرومة للقضاء على التفاوت في مستوى المعيشة وفي حسن التمرس بالحريات الديمقراطية.