الماكينات لم تقلّع بعد...الإنتخابات "البلدية" مؤجّلة و"النيابيّة" رهن الإستقرار!
كتب طوني كرم في نداء الوطن:
كثيرةٌ هي التصريحات التي تؤكّد الإلتزام بإجراء الإنتخابات في مواعيدها مترافقة مع تحذير دولي من تحلل المؤسسات ومخاوف من سقوط لبنان إلى مدارك الدول الفاشلة. القوى السياسيّة عملانياً لم تدر محركات ماكيناتها النيابيّة سوى ببعض النشاط الإعلامي. والقوى التي هي في طور التنظيم، بعدما أخذت من "المجتمع المدني" مصطلحاً للتمايز عن القوى السياسيّة التقليدية، تنظر بعين الريبة إلى نوايا البعض للإطاحة بالإنتخابات، وهي بدأت حملاتها قبل أشهر وحجزت الـ "بانويات" في الشوارع الرئيسة حتى حزيران المقبل.
البلدية قبل النيابيّة!
لا يفرّق وزير الداخليّة السابق الدكتور زياد بارود بين الوكالة الشعبيّة المعطاة للمجالس النيابيّة المحددة بـ 4 سنوات أو البلدية المعطاة على أساس البلدة أو القرية لـ 6 سنوات، من حيث الأهميّة، مشدداً على أهميّة إحترام كافة الإستحقاقات وإجراء الإنتخابات في مواعيدها.
يتزامن هذا العام مع إنتهاء ولايتي المجلس النيابي والمجالس البلدية والإختيارية في شهر أيار المقبل. ووفقاً للمادة 23 من قانون البلديات، يعود "لوزير الداخلية أن يعين موعد الانتخاب في يوم واحد لجميع البلديات أو أن يعين موعداً خاصاً لكل بلدية أو مجموعة من البلديات، إذا اقتضت ذلك سلامة العمليات الانتخابية". ما ينطبق أيضاً على الإنتخابات الإختياريّة. على أن تدعى الهيئات الناخبة قبل شهرين من انتهاء ولاية المجالس المنتخبة. وتعتمد القوائم الإنتخابية نفسها للإنتخابات النيابيّة.
وبحسب الوزير بارود، فإنه من الجدير بالدرس إمكانية إجراء الإنتخابات البلدية والإختيارية بالتزامن مع الإنتخابات النيابيّة، وذلك إنطلاقاً من تجربته السابقة في إجراء الإنتخابات النيابيّة في يوم واحد خلال توليه وزارة الداخلية. في حين يعود اليوم لوزير الداخلية الذي يبدي كل الإستعدادات لإجراء الإستحقاقات من خلال إحترام القانون والمهل، تقويم الموضوع بضوء المعطيات المتوافرة لديه، ليتم على أثرها مناقشة القرار الذي سيُتَخَذ.
بارود الذي شدد على أنّ الرأي الذي يبديه والتمني الذي يرفعه عبر "نداء الوطن" يأتي من حرصه على حماية الإستحقاق، دعا إلى إجراء الإنتخابات البلدية قبل النيابيّة في حال كان توجّه وزير الداخلية بعد دراسة وتعمّق إلى عدم إمكانية حصول الإستحقاقات بالتزامن. ولفت بارود إلى أنّ مصالح وحسابات القوى السياسيّة تحول دون طرح تأجيل الإنتخابات من اليوم، متسائلاً عن الفترة الزمنية التي ستؤجل إليها. هل هي أشهر أم سنين؟ وهل الحكومة التي تعتبر مستقيلة بعد إجراء الإنتخابات النيابيّة ستنظم هذه الإنتخابات في خلال الفترة الفاصلة عن الإنتخابات الرئاسيّة؟ وهل ستكون تلك الإنتخابات مضمونة أيضاً؟؟؟!
توجّه نحو التأجيل!
مقاربة الوزير بارود تلاقي مقاربة وزير الداخلية السابق أيضاً العميد مروان شربل، الذي شدد على إمكانية إجراء الإنتخابات البلدية والنيابية معاً، كونها لا تتطلب سوى إضافة صندوقين إلى قلم الإقتراع، أحدهما للمخترة وآخر للبلدية، إلى جانب صندوق الإنتخابات النيابيّة، ما يساهم في الحدّ من النفقات التي تتكبدها الدولة من أجل إنجاز الإستحقاق لاحقاً.
الموضوع ، بحسب شربل يعود إلى جهوزية وزارة الداخليّة ، ويتساءل الوزير السابق عن الأسباب التي تحول دون إقدام الوزارة على التحضير لإجراء الإستحقاقين في الوقت نفسه، والأسباب الموجبة لتجاهل الحديث عن هذا الإستحقاق المهم أيضاً. ولفت شربل إلى أن الوزارة ليست في هذا التوجه اليوم، مرجحاً قيام وزير الداخليّة بطلب تأجيلها خلال الأسابيع المقبلة، لما بعد الإنتخابات النيابية. وأشار شربل، إلى أنّ اجراء الإنتخابات النيابية أهم بالنسبة إلى البلد لما لهذا الإستحقاق من ترقب خارجي، في حين يضع السياسيون اللبنانيون البلديات في سلّم أولوياتهم لما لهذه السلطات المحليّة من تأثير مباشر كبير على المواطنين. وعمّا إذا كان تأجيل الإنتخابات البلدية سيكون مدخلاً لتأجيل الإنتخابات النيابية، نفى شربل وجود ترابط بين الإستحقاقين في هذا السياق.
اللامركزية ودور البلديات
توازياً، يشير الوزير السابق زياد بارود إلى أن الوقت ما زال متاحاً أمام وزير الداخليّة من أجل دعوة الهيئات الناخبة للإنتخابات البلدية والإختياريّة في حال توافر النيات لإجراء الإنتخابات، بغض النظر عن مرسوم دعوة الهيئات الناخبة للإنتخابات النيابيّة، مؤكداً أنّ هذا الإحتمال يبقى قائماً طالما أنّ المهل لن تَنفَد بعد.
الوزير بارود الذي يشدد على وجوب عدم إهمال هذا الإستحقاق، واحترام الوكالة الشعبيّة التي تنتهي في أيار، أشار إلى أنّ التبرير المقنع والوحيد لتأجيل الإستحقاق يعود إلى الأسباب المقنعة فقط التي قد يقدمها وزير الداخليّة، معرباً عن خشيته من التذرّع بوجود قانون قيد الدرس في اللجان النيابيّة من أجل تطوير القانون الحالي للبلديات، موضحاً، أنّ التأجيل الأول للمجالس البلدية كان سنة 1967 بسبب تعديل القانون القائم حينها واستمر حتى العام 1998.
ورأى بارود أن التمديد يبدأ تقنياً ينتهي سياسياً، وينطلق من أشهر قليلة ليمتد لسنين كثيرة!، مشيراً إلى أن طرح اللامركزية الإدارية والماليّة الموسعة اليوم لا يلغي البلديات أبداً، لا بل يعززها عبر إنشاء مجالس في الأقضية لتبقى البلديات قائمة بذاتها.
وأوضح بارود أنّ مجلس النواب عبر اللجان النيابية يناقش طرح اللامركزية الإدارية الذي تقدّم به منذ 2014، وأن اللجنة الفرعيّة المنبثقة من لجنة الإدارة والعدل أصبحت في خواتيم مناقشة المشروع بعد عقد 63 إجتماعاً لذلك، ويُرجّح أن ينكبّ مجلس النواب المقبل على إستكمال مناقشة المشروع، كون الدورة الإستثنائية في حال فُتِحت ستقتصر على تشريع الضرورة فقط.
الإنتخابات والإستقرار!
وعن التخوف من عدم إجراء الإنتخابات النيابيّة في موعدها، يشير بارود إلى أنّه "أقلّ الإيمان" أن تعطى الحالة الشعبيّة التي كانت تطالب بإنتخابات مبكرة، الإنتخابات في موعدها، مشدداً على أن الشيء الوحيد الذي يحول دون إجراء الإنتخابات هو حصول حدث أمني كبير، أو عدم إستقرار أمني واسع النطاق وهائل.
أمّا في ما خصّ المشهد السياسي اليوم، فيؤكّد أنه يطرح علامات إستفهام كبرى بموازاة وضع معيشي يتجه نحو المزيد من التأزم لدرجة قد يشكل إنفجاراً أمنياً وشعبياً غير محدود.
وشدد بارود على أنّ عدم إجراء الإنتخابات، النيابيّة تحديداً، يكون بمثابة القضاء على آخر ما تبقى من مؤسسات دستورية، في ظل تفكك أوصال الدولة، ما يؤدي بنا إلى المجهول!.
وتوقف بارود عند كيفيّة إعادة إنتاج السلطة، وما إذا كان ذلك عبر الذهاب إلى ما يعرف بالمؤتمر التأسيسي. متسائلاً عن الجهة التي ستقوم بهذه المهمة؟ والظروف والعناوين؟ وما إذا كان على قاعدة غالب ومغلوب؟ أم ديمقراطياً عبر تمثيل شعبي صحيح؟.
ويضيف بارود إلى "الهواجس" التي يطرحها قائلاً: في حال عدم حصول الإنتخابات البلدية ومن ثم النيابيّة والرئاسيّة قبل 31 تشرين الأول 2022، هل نكون أمام مراكمة تفكك أوصال الدولة، لدرجة أن تصبح المؤسسات بحكم المتحللة تأخذ البلد إلى مؤتمر تأسيسي.
هل النظام مأزوم؟ نعم! يقول بارود، مضيفاً أن المشكلة ليست بـ "المؤتمر" بحدّ ذاته، إنما مع من يقوم به، ومن يرعاه، وكيفيّة ترجمة التفاهمات التي سيخلُص إليها ميثاقياً، مشدداً على أنّ إعادة النظر في نظامنا الديمقراطي المأزوم تحتاج إلى درجة عالية من الديمقراطية، وإلّا نكون قد أخذنا البلد الى إعادة إنتاج لغلبة فريق على آخر ما يؤدي حكماً إلى زعزعة سبل العيش معاً!.
وتوقف الوزير بارود عند الأدبيات التي يعتمدها "الحراك أو الثورة"، والتي تدعو دائماً إلى إحترام الإستحقاقات أكانت دستورية أو قانونيّة، مشيراً إلى أنه من المنطق إذا كانت هذه القوى تريد الإنسجام مع نفسها، أن تطالب في إجراء الإنتخابات البلدية في موعدها.
"مدينتي"... النيابة أولاً
وعن هذا الإنسجام، نسأل السيّد طارق عمّار، الذي شكلّت الإنتخابات البلدية سابقة لهم في مواجهة أحزاب السلطة في بيروت عبر لائحة "بيروت مدينتي" قبل أن ينتظم حراكهم المدني مؤخراً ويحمل إسم "مدينتي".
يوضح عمّار أن الموضوع البلدي لا يزال أساسيًا بالنسبة اليهم وهذا ما بدا واضحاً من خلال الورقة السياسيّة التي إعتمدها "مدينتي"، إلّا أنّ البحث في هذا الإستحقاق مؤجل لما بعد الإنتخابات النيابيّة التي تأخذ أهمية وجهوداً أكبر. لافتًا إلى أنّ وجودهم في المجلس المقبل سيشكل أداة ضغط لإعادة إجراء الإنتخابات البلدية.
وأكّد عمّار أن الواقعية التي يتعاملون بها مع هذا الإستحقاق تأتي من عدم قدرتهم على خوض العديد من المعارك في وجه السلطة التي تبحث عن ذريعة من أجل تأجيل الإنتخابات النيابية. مشيراً إلى أنّ "النيابة" تشكل مدخلاً لوضع لبنان على مسار الحلّ أو بإعادة جزء من الحلّ والثقة عبر التغيير الجزئي المرتجى في السلطة.
المنظومة منهارة..!
ميدانياً، ما بين المبادئ القانونية لإحترام الإستحقاقات االدستورية والواقعية السياسيّة التي تتعامل بها القوى السياسيّة، يرى "الخبير الإنتخابي" كمال فغالي أن المنظومة في حالة إنهيار مريع، ما يدفعها إلى عدم إجراء الإنتخابات النيابيّة قبل التفكير بإجراء الإنتخابات البلدية التي قد تؤجل لسنة على الأقل.
ويشير فغالي إلى أن الإنطباع السائد من خلال عمله، وليس بناء على معلومات، يشي بأن الإنتخابات لن تحصل، كون الماكينات الإنتخابيّة لم تقلع بعد، وذلك قبل 5 أشهر من الإنتخابات النيابية في أيار المقبل ما يطرح العديد من علامات الإستغراب والشكوك!!
وفي الختام، يلفت فغالي إلى أنه في حال فُرِض إجراء الإنتخابات النيابيّة، فإنه لمن الطبيعي ألًا يتم إجراء الإنتخابات البلدية والإختياريّة في الوقت نفسه، تجنباً لإحراج السياسيين في التحالفات التي ستنعكس بقوة على مختلف الإستحقاقات.