الناس على برودتها الإنتخابية شمالاً والمال الإنتخابي لم يظهر بعد
يحاول المرشّحون للإنتخابات النيابية في الدائرتين الشماليتين الأولى والثانية، استنهاض هِمم الناس وتشجيعهم على المشاركة في الإستحقاق، ولكن يبدو ان الإنتخابات لم تعد تشكّل لدى الشعب الطبق الرئيسي الذي يتهافتون لتحضيره.
عيون الناس شاخصة إلى الأسواق وأسعار الخضروات والفواكه، وقلوبهم ترتجف خوفاً ورعباً من أي تقلّب للدولار قد يطيح بكل شيء في عز شهر رمضان المبارك. هنا الناس في وادٍ والمرشّحون في وادٍ آخر. فالمواطن المكتوي بارتفاع الأسعار وتقلّبات الدولار وهو يطيح بالليرة، لم يعد يكترث كثيراً للسياسة. هموم الناس الآن تنحصر في تأمين متطلبات رمضان من أكل وشرب، وبعده سيأتي عيد الفطر ولوازمه، وكلها مناسبات بحاجة إلى مصاريف كبيرة يعجز عنها من بات دخله لا يتجاوز الـ 50 دولاراً أميركياً، وبات عليه أن يقف بالصف للحصول على ربطة خبز.
عبارة «بدنا دولار لننتخب» تسمعها من العديد من المواطنين الذين فقدوا الثقة والأمل بالسياسيين. ولكن حتى الآن ما زال الصرف الإنتخابي خجولاً جداً ويقتصر على بعض الأمور اللوجستية. فالمرشح خائف من أن يدفع للمواطن فيخذله والمواطن ينتظر تحرك المحادل والماكينات الكبرى الذي لم يحصل حتى حينه. لا صوَر ولا لافتات تكتسح مناطق الدَّائرتين كما كانت تجري العادة في مثل هذه الأوقات. تجهد الماكينات الإنتخابية في تأمين المندوبين والمفاتيح الإنتخابية لكنّ الأسعار هي التي تقلق. بعض الماكينات ربطت مع بعض المندوبين وسجّلتهم في عدادها مقابل 100 $ للمندوب الواحد وبعضها الآخر 200 $ مع احتساب كلفة التنقل والأكل يوم الإقتراع. هناك مواطنون يرفضون ذلك ويطالبون بأرقام مالية أعلى وإلا لن يشاركوا في العملية الإنتخابية برمتها. أما عن المفتاح الإنتخابي المناطقي، أي ذاك الشخص الفعّال، صاحب المَونة على أصوات تتراوح بين 100 و 200 صوت إنتخابي، فإن وصول المرشحين إلى هؤلاء لم يعد سهلاً. في العام 2018 دفع مرشحون في طرابلس وعكار لمفاتيح إنتخابية مبالغ فاقت المئة ألف دولار ولم يحصلوا في مناطق هذه المفاتيح على أكثر من مئة صوت. في زمن انهيار العملة يعرض بعض المرشحين على مفاتيح إنتخابية تمون على مئات الأصوات مبالغ لا تتعدى الـ10 آلاف دولار أو أقل فيتمّ رفضها. لذلك، لا يزال العديد من المفاتيح الإنتخابية (رؤساء بلديات، مخاتير، وجهاء عائلات...) متحررين من أي التزام انتخابي على مسافة شهر من يوم الإنتخابات. في السابق كانت ماكينات تيار «المستقبل» و»العزم» ترصد لهؤلاء مبالغ مالية كبيرة. «المستقبل» كان يشكّل ما يسمى الماكينة الشعبية، وهي عبارة عن آلاف الأصوات يخصص لكل منتخب 100 $ وما عليه إلا أن يذهب يوم الإنتخاب ويضع في الصندوق الورقة التي تطلبها منه الماكينة الزرقاء.
على اللوائح الشمالية في الدائرتين الأولى والثانية هناك ترسانات مالية هائلة لدى بعض المرشحين. إلا أن غياب الماكينة الموحدة، والتفاوت في القدرات المالية بين مرشح وآخر على نفس اللائحة، يعقّد مسألة الصرف المتساوي على الماكينة في اللائحة الواحدة ويدفع كل مرشح للعمل بمفرده بعيداً من النهج الجماعي. هذا التوجّه إلى جانب ضعف الإقبال المتوقع سيشتتان الأصوات ويجعلان من إمكانية فوز لائحة واحدة بأكبر عدد من المقاعد أمراً مستبعداً.
مايز عبيد – نداء الوطن