انتخابات زحلة: مَنْ يَكسر رأس مَنْ؟
كتبت ملاك عقيل في أساس ميديا: قلّة قليلة جدّاً كانت تعرف مكان اختباء القيادي في القوات اللبنانية إبراهيم الصقر، ومن بينها الأجهزة الأمنية نفسها، لكن لا قرار سياسيّاً وأمنيّاً صدر بإلقاء القبض عليه على خلفيّة اتّهامه بتخزين كميّات كبيرة من المازوت والبنزين على أراضٍ عائدة له.
إلاّ أنّه خلال فترة تواريه عن الأنظار كانت خطوط تواصل الصقر مفتوحة مع الأجهزة الأمنيّة ومع مسؤولين في معراب وأصدقاء.
عاديّ جداً هذا الواقع في بلدٍ فاسدٍ لـ"العظم" كلبنان. وقبل أن يطلّ "الصقر" مباشرة من شاشة الجديد ليل الأحد ليُشعِل حرباً لم تهدأ أصلاً بين عونيّي زحلة وقوّاتيّيها، شهدت الكاميرات على وصوله في 9 تشرين الأول الماضي محمولاً على الأكتاف إلى منزله في حوش الأمراء بزحلة وسط حضور نيابي وحزبي قوّاتي بعد تواريه عن الأنظار لمدّة 45 يوماً، ليتبيّن لاحقاً أنّه كان "بين رَبعِه في دير الأحمر وبشرّي"، كما أكّد في حديثه التلفزيوني.
وكانت أيضاً محكمة التمييز العسكرية برئاسة القاضي صقر صقر صادقت على قرار قاضي التحقيق العسكري مارسيل باسيل بالإفراج عن شقيقه مارون الصقر مقابل كفالة ماليّة قدرها عشرة ملايين ليرة في قضية منفصلة ترتبط باكتشاف نيترات الأمونيوم داخل شاحنة في البقاع بعدما اُتُّهم الصقر بتهريبها عبر أحد المرافئ.
عند هذا الحدّ انتهى مسلسل "نيترات البقاع" التي من أجلها استنفر رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، ودبّ الرعب في نفوس بعض القضاة، و"طبّ" وزير الداخلية بسام المولوي في بدنايل ليُعاين عن قرب 20 طناً من نيترات الأمونيوم مخبّأة في شاحنة ضُبِطت في بعلبك.
وقد برّأت الهيئة الاتّهامية في البقاع مارون الصقر من تُهمة التهريب المرتبطة بملفّ نيترات الأمونيوم.
وفي التحقيقات لم يتبيّن وجود صِلة بين نيترات البقاع وبين نيترات المرفأ، لكنّ القضية بكلّ تشعّباتها منذ اكتشاف الشرطة القضائية في قوى الأمن الداخلي شاحنة ومستودع النيترات في بعلبك، ثمّ تحويل الملفّ إلى فرع المعلومات فاستخبارات الجيش وصولاً إلى القضاء العسكري، شكّلت تأجيجاً للصراع العوني القواتي على امتداد ساحات المواجهة بينهما، خصوصاً في زحلة.
وقد أتت مواقف إبراهيم الصقر لتصبّ الزيت على النار، خصوصاً مع التهديد الذي أطلقه قائلاً: "أنا إبراهيم الصقر ما رح خلّي ابن مرا عونيّ يقبّ رأسه وأنا طيّب (على قيد الحياة)"، مضيفاً: "ما رح خلّيهم يقلّعوا بالانتخابات وبغير الانتخابات".
عمليّاً، لم تكن قضية "نيترات ومازوت الصقر"، التي اتّهمت فيها "القوات" حزب الله والتيار الوطني الحر باستخدامها للنيل من سمير جعجع، سوى محطّة في "المواجهة الكبرى" بين ركنيْ تفاهم معراب الذي تحوّل بعد سنوات من رفع "كؤوسه" إلى صراعٍ يأخذ شكل "حرب إلغاء" متبادلة على الساحة المسيحية.
أمس، أعلن الخبير الانتخابي كمال فغالي وجود "تراجع في القوة الذاتية لتيار جبران باسيل في المناطق بنحو 50% بحسب استطلاع للرأي أُجرِي في مناطق زحلة وكسروان والبترون وجبيل، في مقابل ثبات في أرقام القوات في المناطق المسيحية".
في الواقع تشير معظم الاستطلاعات إلى تراجع الأحزاب المسيحية، خصوصاً القوات والتيار، بنسب متفاوتة، لكنّ التراجع الأكبر يُسجّل لدى العونيّين.
مع ذلك، يجزم خبراء جدّيّون أنّه بحكم تركيبة القانون الحالي القائم على الحواصل الانتخابية، واستناداً إلى نوعيّة التحالفات، فإنّ تراجع الأصوات والشعبيّة غير مؤثّر بشكل حاسم.
لكن إلى أيّ مدى ستشكّل زحلة ساحة لتصفية الحسابات بين العونيّين والقواتيّين؟
يقرّ الطرفان باحتمال خسارتهما لمقاعد في بعض الأقضية بحكم تغيّر نوعيّة التحالفات، وتحت وطأة الأزمة الماليّة والاقتصادية، وزحلة لا تشذّ عن القاعدة.
عام 2018، تنافست في انتخابات زحلة خمس لوائح، ووصل عدد الناخبين المسجّلين إلى 175,868، اقترع منهم 94,082.
كان هناك لائحة تحالف المستقبل والتيار الوطني الحر وميشال ضاهر، وفازت بثلاثة مقاعد: سنّي وماروني وكاثوليكي (نالت 36,391 صوتاً)، ولائحة تحالف حزب الله ونقولا فتوش، وفازت بمقعدين: شيعي وأرمني (نالت 23,546 صوتاً)، ولائحة تحالف القوات والكتائب وسيزار معلوف، وفازت بمقعدين: كاثوليكي وأرثوذكسي (نالت 18,702 صوت)، ولائحتا الكتلة الشعبية و"كلّنا وطني"، ولم تفوزا بأيّ مقعد.
يتوقّع خبراء استطلاع أنّ الحاصل الانتخابي في زحلة قد يصل إلى 13 ألف صوت، والصوت السنّي هو المرجِّح، إذ يبلغ 50,183 ناخباً.
تغيّرت اليوم صورة التحالفات بشكل كبير، لكن ليس من شأنها أن تخلق واقعاً انقلابياً بالتأكيد. هكذا لا تجد تهديدات، كالتي يطلقها إبراهيم الصقر، ترجمة فعليّة على الأرض حتّى لو أغرق الزحليّين بالمازوت والبنزين، وحتّى لو بلغت الحماوة الانتخابية وشدّ العصب الماروني مداه بين التيار والقوات في ظلّ موازين قوى باتت معروفة. إضافة إلى ذلك، ليس حزبه "مرتاحاً على وضعه" في القضاء.
إلى ذلك، فإنّ قوّة التيار الوطني الحر، الثانية في ترتيب القضاء بعد القوات، لا تسمح له بالفوز بأيّ مقعد بعضلاته الذاتية. ولولا طبيعة القانون الانتخابي القائم على النسبية وتحالف التيار سابقاً مع المستقبل، لَما كانت زحلة قد تمثّلت بمقعدين في تكتّل "لبنان القوي". فحجم "التيار" الواقعي هو المقعد الماروني الممثّل بالنائب سليم عون. وقد أجلس تحالف 2018 ميشال الضاهر شكلاً لفترة قصيرة على طاولة التكتّل. والتحالف مع المستقبل سيُستبدل، وفق المعلومات، بالتحالف مع حزب الله، الأمر الذي سيضمَن حكماً، بسبب فائض الأصوات لدى الحزب، مقعد سليم عون مع معركة على الحاصل الثالث (أرثوذكسي أو أرمني)، فيما الشيعي مضمون للحزب.
أمّا القوات، التي تُعتبر الأقوى زحليّاً، فلا تزال معالم تحالفاتها غير واضحة. وفي حال الانفصال الانتخابي عن سيزار معلوف ستضطرّ إلى التحالف مع شخصيّات أرثوذكسية وسنّيّة من أصحاب الثقل الانتخابي، والنتائج تبقى غير مضمونة.
حلّق مرشّحها النائب الكاثوليكي جورج عقيص عالياً في الانتخابات الماضية، فنال 11,363 صوتاً، مقابل 9,742 للكاثوليكي الثاني ميشال الضاهر الذي تقدّم بعدد الأصوات على مرشّحيْ المستقبل والتيار. وقد أدّى "الرقم"، الذي حَصَده الضاهر يومئذٍ، إلى خسارة مرشّحة المستقبل إلى المقعد الأرمني، فخرج بنائب واحد هو عاصم عراجي.
وفيما لا بوادر للتحالف بين الكتائب والقوات، فإنّ الخيارات مفتوحة بين احتمال تحالف سيزار المعلوف، إضافة إلى ميريام سكاف أو ميشال الضاهر، مع "تيار المستقبل". وتتردّد أحاديث عن احتمال تأليف النائب الضاهر لائحة مستقلّة. ولذلك قد يخرج القوّاتيون من المعركة بنائب كاثوليكي فقط.
يقول الباحث والخبير الانتخابي محمد شمس الدين لـ"أساس": "السؤال الأهمّ: إلى مَن سيذهب الكاثوليكي الثاني في زحلة؟ عندها يُعرَف مَن سيحصل على المقعدين الأرثوذكسي والأرمني".
ويضيف: "إذا تحالف الضاهر مع "المستقبل" يُحسم الكاثوليكي الثاني. أمّا إذا شكّل الضاهر لائحة مستقلّة فستنضمّ ميريام سكاف إلى المستقبل. عمليّاً، من أصل سبعة مقاعد في زحلة هناك ثلاثة فقط غير محسومة".