انتخابات عكار: الخطة "باء" جاهزة إن غاب تيار المستقبل
كتبت جنى الدهيبي في المدن:
يخيّم الضباب على التحضيرات الانتخابية في دائرة الشمال الأولى. وكل التداولات في محافظة عكار تصبّ في خانة واحدة، وهي ترقب مختلف القوى والعائلات الموقف النهائي لزعيم تيار المستقبل، سعد الحريري، من الانتخابات، حتى يبنوا على الشيء مقتضاه.
العائلة قبل الحزب
وعكار التي يتجاوز عدد ناخبيها 300 ألف، بينهم نحو 8415 مغتربًا، وفق أرقام وزارة الداخلية، بقيت لعهود طويلة معقلًا كبيرًا لتيار المستقبل، الذي يسعى لاستثمار رصيده هذا قدر المستطاع، لكسب أكبر عدد من الأصوات.
لكن عكار التي لم تأخذ من "المستقبل" يومًا بقدر ما أعطته، تحظى بخصوصية مختلفة عن بقية المحافظات حتى عن جارتها الأقرب مدينة طرابلس. ذلك أن الاعتبار العائلي والعشائري والقروي، يتفوق فيها على الاعتبار السياسي والطائفي. وتاليًا، فإن العائلات والعشائر والقرى لا تتخلى عما تعتبره مكتسبات تمثيلية، لمجرد عزوف تيار سياسي أو ضعفه في خوض الانتخابات، مهما كان حجمه ومكانته.
وتفيد معطيات "المدن"، أن معظم النواب والشخصيات التقليدية في عكار، وتحديدًا تلك المنضوية مع "المستقبل" يعملون جاهدين على وضع الخطة "باء" لترشحهم، في حال تخلى عنهم أو عزف عن تشكيل لائحة مستقبلية تضمهم.
جردة 2018
تحظى عكار بسبعة مقاعد نيابية، مقسمة على الشكل الآتي: 3 مقاعد للسنّة، مقعد للطائفة العلوية، مقعدان للروم الأرثوذكس، ومقعد آخر للموارنة.
وفي انتخابات 2018، فازت لائحة "المستقبل" بالمقاعد السنّية الثلاثة، مع النواب وليد وجيه البعريني، محمد طارق طلال المرعبي ومحمد سليمان، إضافة إلى المقعد الماروني مع نائب القبيات هادي حبيش.
في المقابل، فاز التيار الوطني الحرّ بالمقعد العلوي، مع النائب مصطفى علي حسين، ومقعد أرثوذكسي مع النائب أسعد درغام، في حين فازت القوات بمقعد أورثوذكسي مع النائب وهبة قاطيشا.
ويرى كثيرون أن "المستقبل" اعتمد على معيارين لاختيار مرشحيه في الانتخابات السابقة: أن يملكوا مالًا، أو أن يحظوا بشعبية واسعة في قراهم.
وعليه، استطاع "المستقبل" أن يستفيد من شعبية وليد البعريني، رغم كل المآخذ والانتقادات التي وجهت إليه بترشيح نجل وجيه البعريني المعروف بانحيازه للنظام السوري وحزب الله. كما استفاد من النفوذ الشعبي والمالي للنائب طارق المرعبي، نجل النائب والوزير السابق طلال المرعبي. كما استفاد وما زال من قوة نفوذ هادي حبيش في القبيات، الذي أطلق حينها ماكينة انتخابية خاصة به، بطريقة غير مباشرة، لمواجهة مرشح التيار الوطني الحر جيمي جبور. إضافة إلى الاستفادة من الوزن الكبير للنائب محمد سليمان في وادي خالد.
التوازن الجغرافي
ويتشابك التوازن الجغرافي في عكار التي تضم أكثر من 210 بلدة وقرية، بين مجموعة قرى ذات نفوذ وأخرى أقل نفوذًا. ويعد ساحل القيطع الذي يضم 14 بلدة، من الأكثر تأثيرًا في الانتخابات، وتحديدًا في ببنين التي تضم نحو 22 ألف ناخب، وبرقايل نحو 14 ألف ناخب، وهما يستطيعان الإتيان بنائب إذا كانت معدلات الاقتراع مرتفعة.
وكذلك جرد القيطع، الذي يضم نحو 13 بلدة، والأكثر تأثيرًا هي فنيدق التي تضم نحو 17 ألف ناخب (بلدة وليد البعريني)، ومشمش نحو 10 آلاف ناخب. إضافة إلى الدريب الأوسط والأعلى، والتي تضم بعض البلدات المسيحية المؤثرة بالمشهد الانتخابي مثل القبيات وشدرة كقرى مارونية، ورحبة كقرية كبيرة أرثوذكسية، وبلدات وادي خالد ذات الغالبية السنية. إضافة إلى بلدات الجومة والجرد وسهل عكار.
حراك العائلات والسياسة
وتفيد معلومات "المدن" أن ببنين، نظرًا لثقلها وحجمها وكثافتها السكنية، من بين أكثر البلدات التي تشهد حراكًا انتخابيًا واسعًا. وتاريخيًا، كانت محسوبة على تيار المستقبل، وبقي النائب خالد الضاهر يمثلها كحليف لتيار المستقبل، ويترشح على لوائحه، إلى أن جاء طارق المرعبي بدلًا منه في 2018.
وتفيد المعطيات أن ببنين تشهد حراكًا واسعًا للضاهر، الذي يسعى للترشح مع تيار المستقبل، أو الترشح منفرداً أو مع تحالفات أخرى، في حال عزف المستقبل عن الانتخابات. كما تشهد ببنين حراكًا، وإن محدودًا، للجماعة الإسلامية، وتيار العزم أيضًا وبعض العائلات التقليدية كآل المرعبي، علمًا أن بعض أصوات أهالي البلدة يعتبرون أنهم لم يستفيدوا خدماتيًا من المرعبي.
وواقع الحال، طالما أن تيار المستقبل لم يتحرك ولم يشغل ماكينته الانتخابية، ستبقى الأطراف الأخرى في عكار، أحزاباً وتيارات وعائلات، بموقع المراقب، في ظل انكبابها على وضع خطط خاصة بها. فمثلا، بدأ النائب هادي حبيش حراكه في عكار، والترويج لترشحه عبر زيارات ولقاءات بمعزل عن خيار المستقبل.
مسيحيًا، فإن أبرز المتحركين في عكار هما التيار الوطني الحر وحزب القوات، غير أن الأخير يعد الأكثر تنظيمًا واستعدادًا للانتخابات، ويسعى لاستمالة أكبر قدر ممكن من الموالين السنّة، كما يفعل في طرابلس. وثمة معطيات عن تحرك محدود أيضًا في عكار لتيار المردة، كما تتحرك معظم الشخصيات المنضوية تحت الغطاء السوري والبعث والحزب السوري القومي الاجتماعي.
البدائل الضعيفة
وفيما جرى الحديث سابقًا عن حراك بهاء الحريري في عكار، إلا أنه ما زال محدودًا، ولم تتضح معالمه ولا تحددت الشخصيات الممثلة له للترشح.
أما على مستوى "المعارضة" للأحزاب التقليدية، فإن عكار من بين أضعف المحافظات في هذا الإطار، ويغيب عنها الخطاب التغييري المؤثر، نظرًا لقوة العائلات، ولم تتبلور بعد توجهات القوى المدنية فيها، نتيجة الانقسامات بينها.
وعليه، فإن التحضيرات الانتخابية في عكار قد تتضح أكثر بعد رأس السنة. مع التذكير، أن هذه المحافظة المهمشة والمنتهكة منذ عقود، رغم كل مقدراتها ومميزاتها الجغرافية والطبيعية، تسعى القوى التقليدية لاستغلال حاجات أبنائها، بالمحروقات والمواد الغذائية، كأحد أدوات المال الانتخابي، بعد أن حولوها بؤرة ومعبرًا لشتى عمليات التهريب والاحتكار.