انتخابات نقابة طب الأسنان: المعارضة تتشرذم وتنسحب
كتبت جنى بركات في المدن:
وقع شرخٌ كبير وغير متوقّع في صفوف المجموعات المعارضة للسلطة، والمنبعثة من روح انتفاضة 17 تشرين، في انتخابات نقابة طب الأسنان، قبل موعدها المحدّد يوم الأحد 28 تشرين الثاني، والتي تحاول من خلالها إعادة إحياء دور هذه النقابة التي نامت على سرير من حرير، وتنصّلت من مسؤولياتها. ولكن مع تراكم الخلافات الداخلية والتخبّطات، وجدت تلك المجموعات نفسها أمام طريق مسدود، فكان الانسحاب الخيار الأقل ضررًا.
"توحيد الصفوف".. بداية الشرخ
لوائح عديدة تتحضّر لخوض انتخابات نقابة الأسنان، في معركة طاحنة بين لوائح السّلطة ومجموعات المعارضة. وفيما الأحزاب تبدو منظّمة وتسير وفق خطّة واضحة، وقعت المعارضة في فخّ عدم التنسيق وغياب الرؤية الموحّدة، ما أدّى إلى سهولة اختراقها وتفكّكها.
مجموعة الـ16 المدعومة من المجموعات التشرينية ــ أي التي ولدت من رحم انتفاضة 17 تشرين ــ مثل لحقّي، لنا، ومنتشرين، حظيت بدعم "مواطنون ومواطنات في دولة" (ممفد) أيضاً، ورشّحوا الدكتور كمال صليبا لمنصب النقيب.
في البداية، حصل توافق بين المجموعات المعارضة و"ممفد" على دعم صليبا، في سبيل إنجاح المعارضة وخوض المعركة بِيَدٍ واحدة. فذلك سيقوّي صفوفهم ويرفع من حظوظهم. ولكن بعد فترة، اقترح وسيط ضمّ لائحة "مستقلّون منتفضون" كنوع من الاثبات أنّهم مستقلّون فعلاً. فيما الواقع يشير إلى أن هذه اللائحة المدعومة بشكل علني من حزب القوّات اللبنانية، فمرشّحها لمنصب النقيب، رونالد يونس، مقرّب من رئيس جامعة اليسوعية المقرّب أيضاً من القوّات اللبنانية. وإلى جانب دعم القوّات، تضم اللائحة أفراداً تابعين للأحزاب اللبنانية التقليدية، كالحزب التقدّمي الاشتراكي.
ووفقاً لمصدر متابع لسير المشاورات، جرى ضمّ لائحة "مستقلّون منتفضون" إلى لائحة الـ16، لكنّ "..منتفضون" استغلّوا ذلك لمصلحتهم، فقاموا بالمماطلة والإصرار على دعم مرشّحهم رونالد يونس. وبعد جلسات عديدة من الأخذ والرّد لم يحدث الاتفاق بين الطّرفين.
من هنا، تعبّدت طريق الانقسام بين المجموعات المعارضة. فمنها من دعم مخطّط الاتفاق، ومنها من انسحب منعاً لوصمهم بالتعاون مع أحزاب السلطة. وتُوّجت بداية بانسحاب "منتشرين" وانكفائها بشكل نهائي عن خوض هذه المعركة، معتبرة أن الجهد المبذول سيكون هباءً منثوراً.
"ممفد" تُراكم الأخطاء
قبل انضمام مجموعات الثورة إلى الصفوف الانتخابية، كان كميل صليبا قد أعلن ترشّحه إلى منصب النقيب مستقّلاً، ليتلقّى عرضاً من هذه المجموعات بدعمه شرط أن يتبنّى خطابهم. وعرف عن صليبا أنه لا يمانع الدّعم من أي جهة، حتى لو كانت حزبية، لذا، وافق على طلبهم وسار معهم.
مع مرور الوقت، اتضح أن صليبا ينسّق مع "ممفد" بشكل واسع، كما أنّهم يعملون على حملته الانتخابية بشكل منفصّل، ما أثار قلق المعارضين، خصوصاً بعد واقعة انتخابات نقابة المحامين.
يوضح مصدر لـ"المدن" أن "لحقّي" و"لنا" صارحت صليبا وشرحت له ضرورة إصدار بيان يقول فيه أنّه جزء من المجموعة المعارضة، مشدّدين على أن "ممفد" تعمل بشكل منفرد "..وأكلنا كفوف منها كثير"، لكنه لم يفعل. فصليبا يريد الاثنين معاً، فعمل على أساس "إجر بالحقلة وإجر بالبور".
هذا الأمر دفع بكلّ من "لحقّي" و"لنا" للانسحاب أيضاً، والوقوف بصفّ "منتشرين" معتبرين أنه من غير المنطقي دعم وتمويل حملة كميل صليبا، وهو يستند على عكّاز "ممفد".
بيروت مدينتي تنسحب
بين التأرجح في دعم رونالد يونس والانسحاب، عقدت مجموعة "بيروت مدينتي" اجتماعاً مفتوحاً للعموم، وتوصّلت في نهايته إلى اتفاق بالانسحاب كليّاً، والابتعاد عن دعم أي مرشّح، خصوصاً إذا كان مشكوكاً به أنّه حزبي.
كما أنّها أصدرت بياناً توضيحياً حول الموضوع اليوم الجمعة، لتنضم إلى أخواتها السابقات من المجموعات، ما سينعكس سلباً على نتائج الانتخابات، لتصبّ في مصلحة الأحزاب بسيناريو مماثل لانتخابات المحامين.
خفض الحظوظ
المماطلة والانشغال بتركيب التحالفات وعدم حسم الأمور من البداية، كلّها أسباب أدّت إلى تفكّك القوى المعارضة، وتخفيض حظوظ كميل صليبا، لتسجّل النقاط في رصيد رونالد يونس. حتى أن أوساط داخل النقابة تؤكّد أن هذه الخطوة ساهمت في "حرق" صليبا.
وكان تقليص حظوظ صليبا دافعاً رئيسياً لانضمام "بيروت مدينتي" إلى لائحة المنسحبين. إذ بدى الوضع بمثابة الذهاب إلى معركة خاسرة سلفاً.
لا شكّ أن "مستقلّون منتفضون" عرفوا قوانين اللعبة جيّداً، واستغلّوها لمصلحتهم، ونجحوا. فهذه الأحداث، إضافة الى انتخابات المحامين ــ مع الفارق أنّهم في انتخابات نقابة المحامين استمرّوا في خوض المعركة حتى النهايةــ تبرهن أن للمعارضة طريقاً طويلاً عليها شقّه لكسب الخبرة والحنكة السياسية بدلاً من الانسحاب.. فشرف المحاولة يكفي.