بغفلة دولية وتسوية داخلية: "فتّوش التمديد" جاهز لتطيير الانتخابات
كتب وليد حسين في المدن:
إلغاء اقتراع المغتربين
قدم التيار الوطني الحر عبر كتلته اقتراح قانون تعديل المادة 118 من قانون الانتخابات، التي وضعت على جدول أعمال جلسة مجلس النواب المقبلة (21 و22 شباط) في البند 14 من الجدول، لإلغاء اقتراع المغتربين وانشاء الدائرة 16 في الخارج، وحصر اقتراع الاغتراب بستة نواب. أي فتح الباب لتسوية سياسية أو لمساومة جديدة على مصير الانتخابات.
وفي بعض الوقائع، باتت موازنة "الداخلية" المتعلقة بالانتخابات مدرجة على جلسة مجلس الوزراء لإقرارها، فيما ميزانية وزارة الخارجية لم تجهز بعد. هذا في وقت لم تتحضر "الخارجية" لكيفية توزيع أقلام الاقتراع في الخارج على مراكز الاقتراع المفترضة.
غطاء دولي
في المقابل، تحضيرات التيار الوطني الحرّ لخلق صراع على المغتربين ستؤدي إلى خلافات كبيرة مع باقي المكونات السياسية، وخصوصاً الحزب التقدمي الاشتراكي، الرافض لمبدأ الدائرة 16. إلا أن هذه الخلافات قد تمهد لإجراء تسويات. لكن تأجيل الانتخابات بحاجة إلى قانون تمديد للمجلس. ورغم أن هذا الأمر يعد تفصيلاً صغيراً وهناك أكثر من "فتوش" (النائب نقولا فتوش الذي قدم قانون التمديد في العام 2013) قابل لأن يحمله على عاتقه، فالمسألة بحاجة لغطاء دولي. وقد أكد أحد النواب في مجالسه الخاصة، أن قانون التمديد بات جاهزاً وينتظر موافقة بعض الأطراف السياسية عليه، في حال توفرت الظروف لصفقة سياسية كبيرة في البلد.
التحضيرات الداخلية للتمديد تعتبر تفصيلاً وبحاجة لغطاء المجتمع الدولي. والأخير ليس بعيداً عن أجواء نقاشات تأجيل الانتخابات. حتى أن رفع البطريرك بشارة الراعي لصوته ضد التمديد والتأجيل كان موجهاً للمجتمع الدولي أكثر منه للقوى المحلية. فقد بدأ بعض الدبلوماسيين يعيدون حساباتهم حول إجراء الانتخابات، أو باتوا غير متحمسين مثل السابق. وخففوا ضغوطهم. وهذا ما استدعى من الراعي رفع الصوت، وفق ما تؤكد مصادر مطلعة.
الصفقة-التسوية
تأجيل الانتخابات لا يمكن أن يحصل من دون الاتفاق على التمديد. والأخير بحاجة لقوى سياسية قادرة على السير به. وفي ظل عزوف تيار المستقبل عن المشاركة في الحياة السياسية، ورفض القوات اللبنانية لتأجيل الانتخابات، سيقع حمل التمديد على عاتق الثنائي الشيعي والحزب التقدمي الاشتراكي والتيار الوطني الحر والمردة وباقي الأطراف. فهل يستطيع الثنائي الشيعي وباقي القوى حمل التمديد على عاتقها؟
مصادر متعددة تؤكد أن التمديد حتى لو اتفق عليه محلياً، يحتاج إلى تسوية دولية قبل الداخلية. على المستوى الداخلي، الرئيس سعد الحريري أكد لأعضاء كتلة تيار المستقبل والمكتب السياسي بأن أي تأجيل للانتخابات والتمديد للمجلس الحالي يعني استقالة جماعية من البرلمان. وتقول المصادر إنه حتى لو قبل النائب السابق وليد جنبلاط ورئيس المجلس النيابي نبيه برّي بالتمديد، لا يمكن المضي به من دون المكون السنّي. ومسيحياً، أيضاً ستسير كتلة القوات اللبنانية بخيار الاستقالة من المجلس.
ثمن التسوية
الحزب التقدمي الاشتراكي لم يفاتحه أي طرف سياسي بهذا الخيار. بل هو يخوض معركة ضد من يريد تطيير الانتخابات من خلال اقتراح قوانين من خارج جدول أعمال جلسة مجلس النواب. ورغم إدراج بند تعديل المادة 118 على جدول أعمال الهيئة العامة لمجلس النواب، أخذ الاشتراكي وعداً من برّي بعدم طرح أي اقتراح قانون لتطيير اقتراع المغتربين وإعادة الدائرة 16.
وتسأل المصادر: ما هو الثمن الذي سيقبضه برّي من التيار الوطني الحر كي يسير بالتمديد في وقت ما زالت الخلافات مع "التيار" مستعرة، وكان آخرها التعيينات في مجلس الوزراء. لذا، تتوقع المصادر بأن تمضي جميع القوى السياسية، ولو مكرهة، في خيار إجراء الانتخابات، إلا إذا توفرت الظروف لتسوية كبرى.
أما موقف الرئيس برّي فواضح بهذا المجال حتى هذه اللحظة: لن يكون تمديد للمجلس النيابي ولو لدقيقة واحدة. وقد عبر عن الأمر أمام أعضاء الكتلة وفي بيانات حركة أمل: "من يريد التمديد ليتحمل هو وزره وتداعياته كلها"، كما قالت المصادر.
اختلاف الظروف عن السابق
مصادر متعددة في قوى المعارضة تؤكد أن القوى السياسية تريد التمديد، وترفع السقوف لهندسة التسوية المحلية والاتفاق على ملفات متعددة. لكن لا يمكن أن يمر التمديد بتسويات محلية بين القوى السياسية. فالوضع مختلف عن العام 2013، عندما مدد للمجلس النيابي بذريعة الظروف الأمنية. فمن دون وجود تغطية دولية لا يستطيع أي فريق سياسي محلي وقف الانهيار المالي والاقتصادي وصولاً إلى الجحيم الفعلي. فحتى لو اتفق جزء من القوى المحلية على التمديد، وحرد البعض الآخر، ستسير كلها بالتمديد في حال تأمن الغطاء الدولي.
وتضيف المصادر أن التسوية المحلية قد تكون تحت عنوان انتخاب رئيس جمهورية جديد قبل التمديد أو أقله الاتفاق على هوية الرئيس المقبل، والاتفاق على بعض الأمور الخلافية، التي تمتد من ملف انفجار المرفأ وصولاً إلى تغيير حاكم المصرف المركزي، ومروراً ببعض التعيينات. لكن حتى لو اتفقت القوى السياسية على هذه الملفات في تسوية كبرى، هذا لا يكفي كي يؤمن الغطاء الدولي للتمديد. فالدول الكبرى لن تقبل بالتمديد إلا إذا كان الهدف تغيير الوقائع على الأرض، أي وجود فريق سياسي منسجم للتفاوض معه بالملفات الكبرى المطروحة على طاولة المجتمع الدولي، وليس أولها ملف ترسيم الحدود البحرية.