بيروت الأولى: شهية المعارضات الكثيرة وضعف الأرمن والتيار
مشروع لحكم البلد
لم يفضِ التفاوض بين المجموعات والمكونات الحزبية والمدنية المعارضة إلى خلاصات بعد. البعض يريد لتحالفات الدائرة بعداً وطنياً يعكس قوة المعارضة، والبعض الآخر يطمح إلى تشكيل تحالفات بحدود ضيقة للفوز بمقعد. بعض المجموعات التي تنشط بين لبنان ودول الاغتراب تعمل من أجل تشكيل لوائح تضم أشخاصاً معروفين في البلد، ولها امتداد ديبلوماسي ودولي كمشروع للحكم في لبنان. مشروع تغيير حقيقي تتحاور من أجله مع شخصيات بارزة في الخارج للترشح، ليس في بيروت الأولى وفي بيروت الثانية بل في طرابلس ومدن أخرى. أما البعض الآخر فيريد خوض الانتخابات على "القطعة". ويعتقد أن ملايين اللبنانيين الذين خرجوا في 17 تشرين أصواتاً مضمونة في صناديق الاقتراع!
لوائح متعددة
ما بدر إلى حد الساعة من مشاورات، يوحي بأن هذه الدائرة ستشهد تشكيل لوائح مضاعفة عن الانتخابات السابقة. فانخفاض الحاصل الانتخابي يفتح شهية المجموعات على الترشح. في العام 2018 خاضت الأحزاب السياسية والمجموعات المعركة بخمس لوائح، تأهل منها ثلاث: القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر-الطاشناق وكلنا وطني. لكن هذا العام، ورغم أن المداولات ما زالت في بدايتها، سيؤدي عدم توافق المجموعات والشخصيات إلى تشكيل لوائح كثيرة، مستندين إلى وهم القدرة على تجميع الأصوات والفوز بمقعد نيابي. فتوزيع بعض المكتسبات والخدمات تمكّن البعض من الحصول على بعض الأصوات، لكن يفترض بأن لا يصاب المرء بوهم العظمة.
المجموعات الناشطة كثيرة مثل تحالف وطني وبيروت مدينتي والخط التاريخي (قدامى العونيين) ومجموعة لبنان عن جديد والكتلة الوطنية (سترشح أمينها العام بيار عيسى عن المقعد الكاثوليكي) وحتى الكتائب اللبنانية، المتمايزة عن النائب نديم جميل (فاز بنحو 4 آلاف صوت) تبحث عن تحالفات في الدائرة.
الصحناوي-القوات
جديد هذه الدائرة ليس فقط تراجع عدد الناخبين الأرمن (هجرة كبيرة حصلت في السنوات الأخيرة) أكثر من العام 2018، ما يضعف المقاعد الأرمنية الثلاث في الدائرة، ولا تراجع شعبية التيار الوطني الحر، ومواقف النائب نقولا الصحناوي (حل الأزمة الاقتصادية والجوع في لبنان من خلال تربية طير الفري على الأسطح والتنعم ببيضه)، ولا وفاة مسعود الأشقر، بل افتراق رجل الأعمال أنطون الصحناوي عن القوات اللبنانية (النائب جان طلوزيان الذي فاز بنحو 4 آلاف صوت) وإمكانية عدم انضمام النائب السابق ميشال فرعون إلى اللائحة (نحو 3 آلاف صوت)، الذي سيؤدي إلى إضعاف لائحة القوات. إذ يشاع عن إمكانية تشكيل الصحناوي لائحة مع نديم الجميل للحصول على حاصلين انتخابيين. في المقابل، تشير مصادر متابعة إلى أن جميل قد يبقى على ترشحه مع القوات.
التيار-الطشناق
أما لائحة التيار الوطني الحر-الطاشناق فستعاني من تراجع شعبية التيار بشكل عام وخسارة أصوات الأشقر وتراجع الطاشناق الإضافي عن العام 2018. هذا فضلاً عن خسارة نحو 1500 صوت سنّي جيرها تيار المستقبل المرة الفائتة لهذه اللائحة (تراجعت الأصوات السنية كثيراً العام 2018 بسبب تحالفات المستقبل مع التيار في هذه الدائرة). وهذا معطوف على دخول مجموعة "سوا للبنان" التابعة لبهاء الحريري على هذه الدائرة، ليس من خلال أصوات العرب السنّة وحسب، بل من خلال دعم مرشح عن المقعد الماروني من المقربين من الراحل مسعود الأشقر. فأصوات الأخير مختلفة عن أصوات التيار الوطني الحر، فلو جير له التيار نحو خمسمئة صوت لكان فاز بالمقعد الماروني عوضاً عن جميل حينها.
بولا يعقوبيان
في الدورة السابقة فاز التيار الوطني الحر بمقعده الرابع بفارق بلغ نحو ألف وخمسمئة صوت عن لائحة القوات، مستفيداً من الكسر الأعلى، فيما كان بإمكان لائحة كلنا وطني الحصول على مقعد ثان بأقل من ألف صوت. ما يعزز شهية المجموعات "التشرينية" والأحزاب والقوى المعارضة لخوض غمار التجربة. حتى أن النائبة المستقيلة بولا يعقوبيان تعتقد أنه بإمكانها حصد مقعدين من خلال عقد تحالفات بحددوها الدنيا، متكلة على نشاطها والخدمات الكثيرة التي تقدمها في المنطقة. لكن هذه المقاربة التي على أساسها تتفاوض مع المجموعات لتشكيل لائحة موحدة للقوى "التغييرية"، تعقد الأمور.
المجموعات التي تتفاوض على تشكيل لائحة معارضة تعترف بقدرة يعقوبيان المالية وبأن نشاطها الاجتماعي في المنطقة يدعم حضورها أكثر من السابق. لكن ليس إلى حد الوهم الذي تعيشه، وفرضها الترشح على مقعدين واحد لها (أرمن أرثوذكس) ومقعد الأقليات. ففي هذه الدائرة مقعد الأقليات هو الأضعف وفاز به النائب أنطوان بانو بنحو 500 صوت ويثير شهية المجموعات.
زياد عبس
ووفق المصادر تطرح مجموعة "لبنان عن جديد" مرشحاً لهذا المقعد، خصوصاً أن أحد مؤسسي المجموعة الناشط زياد عبس لن يترشح شخصياً عن المقعد الأرثوذكسي. ومن المعروف أن الماكينة الانتخابية التي أدارت معركة بيروت في العام 2018 شكلها عبس، وكانت خلف فوز يعقوبيان، رغم أن الأخيرة تمكنت من تجيير نحو 700 صوت سنّي من عرب خلدة والكرنتينا، إضافة إلى بعض الأصوات من سنّة فؤاد مخزومي وبعض الأصوات الأرمنية والمسيحية من المتن، من خلال المرشح سركيس سركيس.
الماكنة الانتخابية لعبس تنافس ماكينات الأحزاب السياسية ولديها قدرة كبيرة على تجيير الأصوات، باعتراف جميع المجموعات. وهذا من دون الأخذ بالحسبان أصوات "الخط التاريخي"، أي قدامى العونيين. فهم على توافق مع عبس وسيكون لهم مرشح أرمني عن المقعد الكاثوليكي له وزنه المحلي والدولي، ويستطيع استقطاب ليس أصواتاً من التيار الوطني الحر، بل ثمة مداولات مع شخصيات من عائلات أساسية في الأشرفية لدعمه. لكن العقدة مع يعقوبيان تكمن في عدم قبول ترشيح عبس مرشحاً عن مقعد الأقليات.
تحسين الشروط
ووفق المصادر، تعمل يعقوبيان على رفع السقف كي تحسن شروطها بالتفاوض. فهي متخوفة من إمكانية إقدام قوى المعارضة على ترشيح نديم الجميل وتصدر اللائحة. أو دخول جبهة المعارضة اللبنانية على خط تشكيل اللائحة، في ظل وجود "عقدة الكتائب" عند بعض المجموعات. وهذا ما يدفعها إلى وضع شروط لعدم التحالف مع الكتائب. لكن المصادر تؤكد بأن قوى المعارضة ستتوافق على لائحة قوامها يعقوبيان والكتلة الوطنية ومجموعات في جبهة المعارضة اللبنانية ولبنان عن جديد والخط التاريخي، التي تمكنها من الفوز بأكثر من مقعدين.
أما يعقوبيان فتؤكد أن لا تفاوض في الأصل على تشكيل اللائحة، كي تكون هي العقدة التي تؤدي إلى عدم التوافق. ولم تطرح لا هي ولا أي جهة أي مرشح بعد، مستغربة ما يشاع عن إصرارها على مقعد الأقليات. وأكدت أنها تعمل إلى جانب باقي المكونات لتشكيل لائحة تكون الأولوية فيها للأشخاص عينهم من الذين ترشحوا على لائحة كلنا وطني، إلا إذا قرروا العزوف عن الترشح. وستكون الترشيحات لأشخاص مستقلّين ومن خارج الأحزاب التقليدية.