توزيع أدوار لزوم انتخابات صعبة
كتب أنطوني جعجع في لبنان الكبير:
ما بين حزب الله والتيار الوطني الحر هذه الأيام ليس مقدمة لفراق جدي بقدر ما هو توزيع للأدوار وتجميع للقوى عشية انتخابات نيابية صعبة يذهبان اليها تحت شعار "مرغم اخاك لا بطل"...
فهما يعرفان انهما باتا في وضع لا يمنحهما ما يكفي من ترف الوقت والتفرد كي يعطلا استحقاقا لم يعد شأنا لبنانيا محصورا في المكان والزمان، بل شأن يكاد يجذب من الاهتمام ما تكاد تجذبه انتخابات تشريعية في إسرائيل وايران وربما انتخابات رئاسية في كل من الولايات المتحدة وفرنسا...
وقد يرى البعض في هذه القراءة الكثير من المبالغة، لكن الحركة المتراكمة في اتجاه لبنان تثبت، ليس فقط وجود قرار يمنع سقوط الدولة، بل وجود ارادة دولية - عربية ل "قبع" المنظومة التي تحكم البلاد منذ تسعينيات القرن الماضي، والتعاون مع منظومة جديدة تكون قادرة على استعادة سياسة الانفتاح وتصويب نظام الحكم وتحريك الاقتصاد عبر تمويل ينفق حيث يجب ووفق شروط مدروسة ورقابة لصيقة، اضافة الى تشكيل جبهة سياسية - شعبية تكون خليطا من ١٤ آذار و١٧ تشرين وقادرة بالتالي اما على تشكيل توازن شعبي وسياسي مع حزب الله واما استراتيجية وطنية قادرة على تطويعه واعادته الى الداخل اللبناني...
ولا يحتاج هذا التحول الى الكثير من البراهين بعدما اعلنت السفيرة الاميركية دوروثي شاي: "نحن هنا كي نبقى"، وما يبذله الفرنسيون والعرب والمجتمع الدولي من جهود فردية لانتشاله من هاويته رغماً عنه وبأي ثمن.
ويعرف المراقبون المعنيون ان هذا "الانقلاب" المنشود غير ممكن عسكريا في الداخل، وغير ممكن عبر تشريعات في البرلمان الحالي او قرارات حاسمة من العهد القائم، بل عبر انتخابات تنقل الغالبية من مكان الى آخر وتمهد لحكم جديد يملك ولو الحد الادنى من ثقة الداخل والخارح معا...
ويعرف المراقبون انفسهم ان الوصول الى هذا الواقع ليس نزهة او عملية جراحية بسيطة، خصوصا ان حزب الله لن يلعب دور المتفرج على خطة محلية - عربية - دولية تهدف الى تحجيمه وسحب الورقة اللبنانية من يده وبالتالي من يد ايران التي تكافح في فيينا لرفع العقوبات عن كاهلها مقابل ثمن لا يمكن ان يكون اقل من تراجعات او انسحابات او صفقات تمتد من اليمن الى البحر المتوسط...
من هنا يجهد حزب الله لتعويم حليفه المسيحي المرتبك ولو من لحمه الحي، ولو على حساب كرامته وهيبته، متغاضيا عن الحملات والانتقادات التي توجه اليه من الرئيس عون حينا والنائب باسيل ونوابه حينا آخر...
ويعرف حزب الله ان الانتخابات التي يتوجه اليها مترددا، لا يمكن ان تبقي الحال على حالها من دون الاحتفاظ بكتلة "عونية" وازنة في البرلمان العتيد، وهو امر غير ممكن الا من خلال لعبة انقضاض وهمية يمارسها ضده التيار بعدما تحول في الوجدان المسيحي الى الجهة التي "نسفت العهد" وأفشلته من جهة، ونسفت مقومات لبنان الداخلية والخارجية من جهة اخرى...
وما نسرده هنا ليس جديدا في الوعي اللبناني بكل احزابه واطيافه، لكن الجديد ان حزب الله بلغ من الحرج درجة جعلته يوافق على جلده وتهشيمه وتشويهه علنا ومن دون اي محاولة للدفاع عن نفسه، متبعا في ذلك نظرية، "الف غلبة ولا قلبة"...
وليست سياسة "التسامح" التي يتبعها الا دليل على استعداده لدفع اي ثمن من رصيده الشخصي مقابل الاحتفاظ بالسلطة، معتبرا ان اكثر ما يمكن ان يقدمه وحيدا، لن يكون اكثر من ازاحة انطوان حبشي والبير منصور في منطقة البقاع لمصلحة مرشحين من "التيار"، ورفد آخرين بالأصوات في مناطق زحلة وجزين وبعبدا وجبيل، وهي اصوات فاعلة لكن غير مؤثرة في شكل جازم...
ويسود اعتقاد واسع في مطابخ حزب الله، ان على باسيل ان يفعل شيئا في المناطق المسيحية الصافية اي الدائرة الثالثة في الشمال وكسروان والمتن وقسم كبير من بيروت، اذا اراد فعلا الوصول الى برلمان يملك فيه الغالبية التي تحدد هوية الرئيس المقبل، معتبرا ان الجبهة التغييرية المحلية المتماهية مع الجبهة الخارجية تتقدم في هذه المناطق وتهدد بقلب الطاولة على رأس الممانعين وانتزاع غالبية دقيقة قد لا تتجاوز عدد أصابع اليد...
وبعيدا عن الثوب الجديد الذي يلبسه عون وباسيل، وبعيدا عن "تساهل" حزب الله حيال "السهام" التي تصيبه، فثمة امر آخر يربك الطرفين، وهو التوتر الذي يسود العلاقة بين الرئاستين الاولى والثالثة مما يزيد من التباعد السني القائم مع "التيار" ويحرمه من اصوات وازنة شمالا وتحديدا في الكورة وزغرتا وقسم من البترون، اضافة الى التوتر بين الرئاستين الاولى والثانية، مما يحرمه من اصوات حركة "امل" في كل من زحلة وجزين وبعبدا، واخيرا والأهم الكباش الايراني - الاميركي الذي يخوض في لبنان ما خاضه في العراق قبل اشهر، اي محاولة السيطرة على السلطة التشريعية في البلاد...
وهنا يكمن السؤال الأكثر جدية، هل يمكن لمحور الممانعة القبول بخوض معركة مصيرية لا تحمل مقومات النجاح الاكيد، على غرار ما اصابه في العراق؟ وهل يمكن ان يلجأ الى اي عمل امني مباشر لقطع الطريق على صدمة اخرى محتملة؟
حتى الآن لا يزال هذا المحور يراهن على شيء ما يمكن ان يمنع حصول المعركة التشريعية، وهو امر لن يأتي الا من بوابة واحدة، وهي وصول مفاوضات فيينا الى طريق مسدود لا يترك مجالا لغير الخيارات العسكرية...
اسرائيل انهت استعداداتها لمهاجمة المنشآت النووية الايرانية، وايران انهت استعداداتها للدفاع والرد انطلاقا من اراضيها ومن قواعدها في سوريا، وكذلك فعل حزب الله الذي لقّم منصاته في كل من لبنان ودمشق استعدادا لنصرة طهران...
فهل تأتي فرصة الهروب من الانتخابات عبر الفوهات الاسرائيلية؟
سؤال مطروح بقوة، في وقت ترفض ايران ان تخرج عارية من فيينا، وترفض لها اسرائيل ان تخرج منها قوة نووية، وترفض اميركا ان تماطل في شكل قد يعيد تجربتها في كل من العراق وافغانستان بعد "١١ ايلول" او السماح لاسرائيل، كخيار أخير، بأن تفعل في ايران ما تفعله في سوريا اليوم وما فعلته ضد مفاعل تموز النووي العراقي في حزيران ١٩٨١؟
فهل يأتي الترياق من اسرائيل ويعطي حزب الله ما اخذه في "حرب تموز" أي الكلمة الفصل، واما يأتيه بما اصاب عرفات والاسد في لحظة دولية ساحقة، اي النكسة؟
اولى البوادر أطلت من غزة فهل تمتد الى الجوار؟