حسابات الاستحقاق الرئاسي تطرح سيناريوات جهنمية
كتب وليد شقير في لبنان الكبير: يلج لبنان استحقاقات العام 2022 مع استمرار أعلى درجات الانقسام السياسي الذي يهدّد إنجاز بعضها، إذا لم يكن يهددها كلها في أقصى درجات التشاؤم من إمكان التوصل إلى تسويات مقبولة تتطلب تنازلات متبادلة من الفرقاء المعنيين بها. وهذا يشمل إيجاد مخرج لاجتماع الحكومة وإقرار الاتفاق مع صندوق النقد الدولي وإنجاز الموازنة، والمفاوضات على الحدود البحرية مع إسرائيل، وإتمام الاتفاقات على استجرار الغاز المصري والكهرباء الأردنية، وتنفيذ بطاقة دعم الأسر المحتاجة، والبدء في تلزيم معمل للكهرباء إضافة إلى الاستحقاقات الدستورية... إلخ
العلّة تكمن في أن الاستحقاقين الدستوريين، أي الانتخابات النيابية في 15 أيار والرئاسية في تشرين الأول، يتحكمان بحسابات الفرقاء المختلفين، ولا سيما الفريق الرئاسي الذي يسعى بكل ما أوتي من قدرات إلى تعويض الخسائر التي مُني بها في السنتين المنصرمتين من أجل تحسين موقعه في هذين الاستحقاقين، ويتعاطى مع غيرهما انطلاقاً من حسابات الربح والخسارة فيهما، هو وحليفه القوي "حزب الله".
وإذا بقيت فرضية صعوبة إفشال هذين الاستحقاقين بفعل الضغط الدولي المتواصل من أجل إتمامهما، سائدة حتى إشعار آخر، إضافة إلى الضغط الشعبي، فإن هاجس "التيار الوطني الحر" ومؤسسه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ضمان عودته بكتلة نيابية وازنة على الرغم من التسليم بخسارته المحتّمة لعدد من المقاعد في البرلمان الجديد. فبعض التقديرات لدى محيط "التيار الحر" يفيد بأنه قد يخسر 7 إلى 9 مقاعد من النواب المسيحيين، المحازبين والحلفاء في تكتله النيابي، والذين كانوا 24 نائباً بعد انتخابات 2018، فباتوا 19(من دون احتساب النائبين طلال أرسلان ومصطفى حسين) بانسحاب خمسة منه، مما يعني إمكان حصوله على كتلة من 11 إلى 13 نائبا في أفضل الأحوال. وهو عدد يعتقد هذا المحيط أنه يؤهله للتعاطي مع الساحة السياسية على أن تمثيله المسيحي ما زال قوياً. لكن هذا الرقم بالنسبة إلى بعض محازبي "التيار الحر" كاف من أجل أن تكون له ولحليفه "حزب الله" ولحلفاء الحليف، الكلمة القوية في الاستحقاق الرئاسي، إذا تمكنوا من جمع أكثر من ثلث أعضاء البرلمان، من زاوية القدرة على تعطيل أكثرية الثلثين من أجل اجتماع مجلس النواب لانتخاب الرئيس مثلما حصل ما بين منتصف العام 2014 وأواخر العام 2016، حين أدى هذا التعطيل إلى "استسلام" الفرقاء الآخرين بقبول انتخاب العماد عون رئيساً.
يطمح الفريق الرئاسي إلى تكرار التجربة. وبعض الأوساط السياسية يتحدث عن معطيات تصل إلى حد الحديث عن بدائل لهذا السيناريو، على الرغم من اختلاف الظروف عن العام 2016 حين أعلن حزب "القوات اللبنانية" دعم ترشيح عون، وحين فتح زعيم تيار "المستقبل" رئيس الحكومة السابق سعد الحريري حواراً مع عون انتهى بتخليه عن ترشيح رئيس تيار "المردة" سليمان فرنجية بعد تفضيل "حزب الله" عون عليه، نتيجة اتفاقات عميقة صاغها مع الأخير على سياسته خلال فترة عهده. كما أن الدخول في حديث جدي حول الاستحقاق الرئاسي ما زال مبكراً طالما الانتخابات النيابية لم تحصل، فضلاً عن أن "حزب الله" ليس في وارد طرح خياراته حول أي من المرشحين الحلفاء سيدعم للرئاسة طالما مدة الـ10 أشهر الفاصلة عن الاستحقاق طويلة.
والبدائل عن هذا السيناريو، وفق هذه الأوساط السياسية، بالنسبة إلى الفريق الرئاسي هي السعي لانتخاب وريث عون السياسي النائب جبران باسيل، قبل الانتخابات النيابية في أيار ومن قبل البرلمان الحالي، الذي بإمكان الحزب أن يتحكم بالموقف فيه، إذ يعتقد بعض أوساط "التيار الحر" بإمكان الوصول إلى هذا الهدف بتسوية إقليمية تقضي باستقالة الرئيس عون خلال الأشهر الخمسة الفاصلة عن الانتخابات النيابية، مما يضع القوى السياسية كافة أمام أمر واقع جديد بإلحاجة إلى انتخاب رئاسي مبكر. فبعض أصحاب الأفكار الجهنمية يتساوون مع بعض معارضي العهد المطالبين باستقالة الرئيس من أجل انتخابات رئاسية مبكرة، يمكن التحكم بها. ويذهب بعض الأوساط السياسية في الحديث عن هكذا سيناريو بالقول إن التمايز الذي ظهر بين الفريق الرئاسي وبين "حزب الله" لم يلغِ آمال هذا الفريق بإمكان إقناع الحزب بتفضيل رئيس "التيار الحر" على غيره، نظراً إلى أن أي رئيس للجمهورية سيأتي لن يكون متناغماً مع توجهات الحزب بالقدر الذي كان تناغم باسيل، مهما حصل من تمايزات.
المعطيات عن اللقاء الذي حصل بين مسؤول التنسيق والارتباط في الحزب وفيق صفا وبين باسيل قبل أكثر من 10 أيام، تشير إلى أن الأول دعا الثاني إلى التنبه إلى أن على فريقه ألا يذهب بعيداً مع تفهم حاجته إلى هذا التمايز لاستقطاب الرأي العام المسيحي. وأوضح صفا لباسيل، حسب تلك المعطيات، أن التعبئة التي يعتمدها التيار تؤدي به إلى المزيد من الخسائر وأنه يطالب الحزب بموقف من عدد من القضايا الداخلية ليس بالضرورة أن يكون بإمكانه تحقيقها، كأن باستطاعة الحزب المونة على كل الأطراف السياسية، ومنها مطالبته بالوقوف في وجه رئيس البرلمان نبيه بري. ونصح القيادي في "حزب الله" باسيل بأن إدارة المشاكل التي تشهدها الساحة السياسية تقود إلى وقوف المزيد من القوى السياسية ضد تحالفهما، خصوصاً أن الحملات على التيار والحزب سوياً تتصاعد والحزب لم يغلط مع التيار. وعليه اعتمد الحزب سياسة عدم الرد على الانتقادات التي تُساق ضده من رموز في "التيار الحر"، فلم تكن هناك ردود فعل من قيادته حتى حيال كلمة الرئيس عون وتساؤله عن التدخل في شؤون الدول العربية والخليجية، ودعوته إلى بحث الاستراتيجية الدفاعية، أي سلاح الحزب في مؤتمر للحوار، لعل الاتصالات البعيدة عن الأضواء تقود إلى دوزنة اللهجة التي يحتاج التيار إلى اعتمادها مسيحياً، حفظاً للتحالف واستمراره، لأنه أولوية لدى الفريقين، ولا سيما التيار الذي يحتاج إلى الأصوات التي يستطيع الأخير أن يجيرها له في الانتخابات النيابية.
لكن الأوساط السياسية، التي تتحدث عن تفكير في أوساط الفريق الرئاسي عن انتخابات رئاسية مبكرة، تقول إن الإشارات الإيجابية التي بعث بها الرئيس عون وباسيل إلى الدول الغربية والولايات المتحدة، سواء من أجل رفع العقوبات عن باسيل، أو من أجل تسليف واشنطن موقفاً مرناً في المفاوضات على الحدود البحرية، لم تلقَ استجابة من الأخيرة. كما أن الدول الأوروبية لم تعد تعير أهمية لرئيس الجمهورية، بدليل أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي وعد بالاتصال به بعد اجتماعه بولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في 4 كانون الأول الماضي أهمل هذا الوعد واكتفى بإيفاد السفيرة آن غريو لإطلاعه على نتائج الاجتماع.
تستنتج الأوساط السياسية من ذلك أن استمرار خطوط الانفتاح على الدول الغربية مقفلة يدفع بعض محيط الفريق الرئاسي إلى التفكير بالسيناريو البديل، والذي يقضي بتعميق التعاون مع "حزب الله" ومحور الممانعة. وفي معلومات هذه الأوساط أن بعض قياديي التيار سعى لدى دمشق من أجل أن تقنع الحزب بخيار الانتخابات الرئاسية المبكرة، وعمل على الترويج لتلك الخطوة لدى القيادة السورية، بحجة استباق إمكان اختيار رئيس للدول الغربية وأميركا تأثير فيه. ويتردد أن أصحاب هذه الأفكار يرون أنها قد تدغدغ رغبة دمشق في أن يعود لها دور مؤثر في لبنان، بعد أفول نفوذها فيه. كما أن هؤلاء يعتقدون أن الحزب قد يرى فيها مكسباً في المواجهة التي يخوضها الغرب ضده في لبنان والمنطقة.
إلا أن الأوساط نفسها استبعدت إمكان إقتناع الجانب السوري بهذا الخيار، أو لجوء الحزب إليه على الرغم من الإغراء الذي يرافقه، نظراً إلى صعوبة إقناع حلفائه الآخرين به، وإلى استحالة تأمين الأكثرية له حتى في ظل الموازين الحالية. وهذا ما يجعل هذا السيناريو أقرب إلى الرغبات منه إلى الاحتمالات الواقعية.