زحلة: سكاف تقترب من الكتائب.. والقوات "الواثقة" تجذب السنّة
كتبت لوسي بارسخيان في المدن:
سكاف و"زحلة تنتفض"
فمجموعة "زحلة تنتفض" أعلنت تبنيها ترشيح الدكتور عيد عازار عن المقعد الأرثوذكسي في المدينة، محددة خيارها "التفضيلي" كثابتة أساسية قبل البدء بأي مفاوضات مع الأطراف السياسية التي قد تتحالف معها. وفي المقابل لم تحسم بعد مسألة التحالف المحتمل بين المجموعة والكتلة الشعبية، التي تتمسك رئيستها ميريم سكاف بأن تشكل لائحة ترأسها شخصياً، وتسمى بلائحة الكتلة الشعبية.
ويبدو أن أجواء ترتيب البيت الداخلي تنسحب على سكاف، بعد تشتت كبير في قاعدتها الانتخابية الموروثة عن زوجها "المحبوب" الياس سكاف. وكثفت سكاف حضورها المعلن في مدينة زحلة، بعد "العتمة" التي سيطرت على "بيت سكاف" منذ ما بعد انتخابات سنة 2018. وكان لافتاً بعد الحملة التي أطلقتها ضد السلطة السياسية في ذكرى وفاة زوجها، وتوجهها لمزيد من الهدنة مع مطران المدينة السابق عصام درويش، القريب من السلطة، بعد قطيعة طويلة معه. ومصالحتهما تمهد لمزيد من الانفتاح على السلطة الكنسية في المدينة. وتوجت في لقاء عقدته سكاف الأسبوع الماضي مع راعي أبرشية زحلة الكاثوليكية الحالي ابراهيم ابراهيم، الذي يؤكد وقوفه على مسافة واحدة من جميع الأطراف السياسية في الانتخابات المقبلة. وهذا بصرف النظر عن بصمات "الراعي السابق" التي لا زالت حاضرة في المدينة، الأمر الذي يمكن أن يتوضح في الانتخابات المقبلة.
ماروني وحزب الكتائب
وسجلت سلسلة تطورات في زحلة، يتعلق أبرزها بإقليم زحلة الكتائبي، وتوجهه لترتيبات داخلية مفاجئة، قد تصب في مصلحة التحالف مع سكاف. فبعد الشرذمة الطويلة في صفوف حزب الكتائب، والمستمرة منذ انتخابات سنة 2018، يبدو أن الكتائب دخلت في مرحلة توحيد صفوفها، بانتزاعها تنازلات من قيادييها، تمهيداً للدخول في مرحلة الانتخابات بصوت واحد. وحسب المعلومات فإن النائب إيلي الماروني الذي أشار مقربون إلى عزمه الخروج من حزب الكتائب، عاد عن قراره بعد إعفاء رئيس إقليم زحلة الكتائبي شارل سابا من مسؤوليته، مقابل إحجام ماروني عن الترشح للانتخابات النيابية. والكتائب وفقاً لمصادرها حسمت قرار خوضها المعركة في زحلة بغير المحازبين. ويبقى السؤال ما إذا كانت ستتحالف مع الكتلة الشعبية، وهذا ما كانت تحبذه منذ الانتخابات الماضية.
لكن ماروني نفى لـ"المدن" ما شاع عن تسوية قضت بامتناعه عن الترشح، مقابل عزل سابا من مسؤوليته. وأكد أن قرار ترشحه أو عدمه يتخذه شخصياً. وهو يدرس الخيارات المتاحة. وأكد أنه لا يزال في المكتب السياسي لحزب الكتائب، وهو يرضخ لأي قرار يتخذه الرئيس أمين الجميل، متحفظاً في الإجابة عما إذا كان يبقى داعما لحزبه، إذا ما قرر التحالف مع ميريم سكاف. وبين الطرفين خلاف قضائي مستحكم منذ الجريمة التي ذهب ضحيتها شقيق الماروني نصري.
وتحفظ ماروني يشير إلى أن مثل هذا القرار يمكن أن يشكل "الخرطوشة" الأخيرة في علاقته غير المستقرة بحزبه: إما يخرج من معادلة الترشيحات المحتملة، وإما يخرج عن قرار القيادة الحزبية، ويتحالف انتخابياً مع أطراف أخرى.
القوات والتيار العوني
ويبدو أن القوات اللبنانية أكثر ثباتاً في إطلاق ماكينتها الانتخابية. وقد أبلغت مناصريها أنها سائرة في المعركة أيا كانت الحسابات والتحالفات. وحتى لو اضطرت لخوض الانتخابات من دون التحالف مع أي من الأطراف القريبة مع توجهاتها. وتعول القوات على ما يمكن أن تكسبه من الشارع السنّي، في ظل غياب مرجعيته السياسية حتى الآن. وتعتبر القوات أنها قادرة على تأمين أقله حاصل ونصف في أي انتخابات تخوضها منفردة. وهي تراهن على الجو العام في إظهار حجمها الفعلي في مدينة زحلة.
التيار العوني ماض في ترتيب بيته الداخلي، بعد الانتخابات الداخلية التي تركت شروخاً تظهر في العلن بين فترة وأخرى. واللافت أن التيار خسر الجو العام الذي كان مؤيداً له في انتخابات 2005. وظهر التراجع منذ انتخابات 2018. وبات الحديث عن دخوله الانتخابات وفرض شروطه مستحيلاً، رغم تهويل مناصريه على ما يمكن أن يحققه ترميم التصدعات في الحكومة الأخيرة في عهد الرئيس ميشال عون، واحتمال انعكاس ذلك إيجاباً على الجو العام، بما يسمح له باستعادة زمام المبادرة في زحلة. ولا يبدو عونيو زحلة مرتاحين لكسب حليف التيار الشيعي، بعدما بلغت الخلافات مع حركة أمل ذروتها. وهذا يمكن أن يترك التيار وحيداً في زحلة، وبالتالي يضع حظوظه في تحقيق النتائج التي يتمناها على المحك.
السنّة والمال الانتخابي
على الخط السني، وفي انتظار عودة سعد الحريري الموعودة، لا يبدو أن الحراك المسجل للمعارضة السنية أو لبهاء الحريري قادر حتى الآن على خلق حيثية سياسية في المنطقة. ويسجل الشارع السني عتباً على خسارته قيادته السياسية والدينية في البقاع، الأمر الذي نوقش بجدية في حضور مفتي الجمهورية عبد اللطيف دريان أثناء زيارة المنطقة نهاية الأسبوع الماضي.
وما لم يتحرك الشارع السني بالعصب السياسي المنشود، فإن كثيرون يتوقعون أن يكون عامل المال هو الناخب الأبرز لديه. وهو يشكل عاملاً أساسياً يعول عليه في مجمل العملية الانتخابية في هذه الدائرة.
وفي لعبة المال أكثر من طرف يمكن أن يكون مستفيداً. ومن بينهم النائب ميشال ضاهر، والنائب سيزار المعلوف الذي لم يحسم بعد خوضه الانتخابات، بعد خروجه من صفوف القوات اللبنانية. وكلاهما شكلا كتلة مالية غيرت وجه الانتخابات الماضية، ومنحت لوائحهما حواصل إضافية. وهذا لا يعني أن مواجهتهما الأحزاب في المعركة الحالية ستكون سهلة، حتى لو قدما نفسيهما من خارج المنظومة التي وصلا معها إلى البرلمان في الانتخابات الماضية.
في اختصار، التكتيكات هي السائدة حاليا في زحلة، فيما تسقط العناوين الانتخابية، رغم أهميتها في ظل الظرف المعيشي الذي يختبره اللبنانيون. ولا يبدو أن الناخبين يعولون على صدق وعود البرامج، لقناعتهم بأنها ليست سوى عناوين طنانة أوصلت البلد إلى ما وصل إليه. وهذا يمكن أن ينعكس مشاركة ضئيلة في الانتخابات المقبلة. ولا يستبعد أن تقتصر المشاركة على مؤيدي الأحزاب والقوى السياسية التقليدية ومناصريها، في ظل غياب بدائل تصلح لأن تؤخذ في الاعتبار كحالة تغييرية فعلية في هذه المنطقة.