سنّة البقاع: التصويت ضد حزب الله أو المقاطعة الشاملة
كتبت لوسي بارسخيان في المدن:
خلّفت "العاصفة السياسية" التي أثارها الرئيس سعد الحريري بإعلانه تعليق نشاطه وتياره للمرحلة المقبلة، تأثيراً شعبياً كبيراً في منطقة البقاع، وخصوصاً في مجتمعاته السنّية. واحتدمت النقاشات في أوساطها حول الموقف الذي يجب أن يتخذ من الانتخابات المقبلة. فهل يتم الاستسلام إلى "إحباط" يقود لمقاطعة تامة لهذه الانتخابات، أم يجب اتخاذ مواقف حازمة بالتصويت لمن يقترب من سقفهم السياسي، الذي حددوه منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري، قبل أن تهيمن تسويات القيادة على قناعات القاعدة.
الإحباط والخيبة
وفقاً لجزء من الشارع، فإن حالة "الإحباط" التي يعيشها سنّة البقاع، أسوة بسنّة لبنان عموماً، ليست جديدة. فناخبو دوائر هذه المنطقة الثلاث، التي وقفت إلى جانب الحريري منذ اغتيال والده الشهيد رفيق الحريري، كانت قد بدأت تعيش "يتمها" منذ انتخابات سنة 2018. تلك الانتخابات التي أعادت خلالها القوى "الممانعة" في البقاع الغربي تموضعها السنّي. فيما بقي ناخبو البقاع الأوسط يحاولون مداواة "الدملة" التي خلفها التحالف الانتخابي مع التيار الوطني الحر. فكانت النتيجة خسارة المستقبل جزءاً كبيراً من شارعه لمصلحة سلطة المال، وبتواطؤ من ماكينة المستقبل أو العاملين فيها. لتترجم خيبة الأمل في بعلبك بعيد انتخابات فاز فيها مرشح سنّي من بلدة "عرسال" لأول مرة بتاريخ هذه المنطقة، إلا أنه بقي دون مستوى توقعات ناخبي الدائرة.
ولكن رغم خيبات الأمل، ثمة تيار حتى بين المستقبليين، لا يرى في المقاطعة ما يمكن أن يخرج الطائفة من إحباطها. ويعلل رفضه لها بتجربة المسيحيين الذين قاطعوا الانتخابات في سنة 1992، فلا أوقفوا إجراءها حينها، ولا جرى قبول طعنهم ولو الشكلي بها. وبالتالي، يخشى هذا التيار أن يكون الخاسر الأكبر من جراء هذه المقاطعة هم السنّة أنفسهم. فيوضعون خارج مجلس النواب لولاية كاملة يعتبرون أنها ستكون أساسية في مناقشة مستقبل لبنان.
مرشح لبهاء
لدى أصحاب هذه القناعات لوم للرئيس سعد الحريري، ويعتبرون أنه بتعليقه العمل السياسي من دون العودة إلى القواعد الشعبية، ترك جمهوره حائراً فيما يجب أن يفعله تجاه الاستحقاق الانتخابي المقبل. إلا انهم مع ذلك يجدون في هذا الابتعاد عن الساحة فرصة لإعادة حسابات القيادة، حتى تعود إلى صفوف قاعدتها، وتنبعث مجدداً بروح توجهاتها السياسية الرافضة للمهادنات والتسويات التي صاغتها على مدار المرحلة الماضية. ولا مانع لدى جزء من هؤلاء أن يكون هذا الانبعاث الجديد مع بهاء الحريري بدلاً من سعد الحريري، حتى لو ووجهت في بداياتها بممانعة "عاطفية" تتمسك بسعد الحريري.
ويقول قريبون من المستقبل في البقاع أن مرشحاً لبهاء الحريري مع خطاب قريب من جمهور المستقبل، أفضل من تسليم مقاعدنا إلى حزب الله. وترى في كلمة بهاء الحريري المقتضبة، ما يهدئ العاصفة السنية التي كانت قد بدأت تطالب بمقاطعة الانتخابات، خصوصاً أنه أصر على إبقاء بيت رفيق الحريري مفتوحاً، وبالتالي، يدعو هؤلاء إلى ترقب ردود الفعل التي قد تصدر تجاه المحاولات المتقدمة لبهاء الحريري في اختراق المجتمعات السنّية، وقرار قيادة تيار المستقبل بهذا الشأن الذي سيلتزم به المستقبليون. متوقعين إعلان الموقف خلال إحياء الذكرى السنوية لإغتيال الحريري.
ومع ذلك يرى هؤلاء حاجة للعمل أولاً على تذليل "حالة الإحباط" التي بلغها الشارع السنّي في البقاع. ويؤكد مراقبون أن نسبة كبيرة من المقيمين خارج البقاع لم يعودوا متحمسين للانتقال إلى دوائرهم للمشاركة في الانتخابات، ويتوقعون أن تتدنى نسبة التصويت العامة بقاعاً إلى 40 بالمئة، ما لم تطرأ مفاجأة تقلب المعادلات في الأيام المقبلة.
حركة "سوا للبنان"
في الأثناء يرتقب أن تظهر حركة "سوا للبنان" نشاطها بشكل أكبر في البقاع خلال الأيام المقبلة. ويرى البعض أنها ستحاول الاستثمار بردود الفعل الإيجابية التي خلفتها كلمة مطلقها، في محاولة لتذليل وطأة "الحنق السني" المترافقة مع اتهامه بالتواطؤ في إضعاف شقيقه خليجياً، والانقضاض على "إرث الزعامة" للرئيس رفيق الحريري. وفي حال نجحت المساعي لكسب ثقة هذه المجتمعات، يكون بهاء الحريري قد ثبت خطواته الأولى في البقاع، خصوصاً أن هذه المنطقة، وتحديداً في دائرة البقاع، تفتقد لقيادات محلية ذات تأثير قي مجتمعاتها.
وترى هذه الأوساط بأن "الوقت ضاغط جداً" على كل الأطراف السياسية، وهي لا تملك ترف المماطلة، وبالتالي فإن عدم وضوح الرؤية لفترة طويلة، من شأنه زيادة منسوب الإحباط لدى الناخبين. الأمر الذي تتهيبه مختلف القوى السياسية المشاركة في الانتخابات، وخصوصاً في الدوائر التي تشكل فيها مشاركة السنّة "بيضة القبان" في تأمين الحواصل اللازمة لإيصال مرشحيها، كالبقاع الغربي مثلاً، حيث يشكل سنّة الدائرة الحليف الأقوى لرئيس الحزب التقدمي الإشتراكي في معركته بوجه تحالف التيار الوطني الحر مع الوزير السابق عبد الرحيم مراد وحزب الله.
ضد حزب الله أولاً
وفي هذا الإطار، ترى الأوساط السنّية أن اختراق بهاء الحريري للمعركة الانتخابية المقبلة، في حال لقي إحتضاناً شعبياً سنياً، من شأنه أن يوحد مجدداً قوى 14 آذار على العناوين السياسية لانطلاقتها، خصوصاً إذا تم تذليل العتب السائد مع القوات اللبنانية، وتعزيز التقارب معها إنطلاقاً من الخطاب السيادي الذي تتشاركه مع الأطراف الأخرى، شرط أن تتم التحالفات بعيداً عن تسويات مشابهة لتلك التي جرت منذ انتخابات سنة 2006.
بالنسبة لشريحة كبيرة من سنّة البقاع، فإن توحيد الأهداف بين القوى السيادية من شأنه خلق حالة "تسونامي" شبيهة لتلك التي أطاحت بـ"مخلفات النظام السوري" في سنة 2005، والحد من تأثير كتلة حزب الله المتراصة في جميع دوائر البقاع.
علماً أن قناعات القاعدة وخصوصاً في دائرتي البقاع الغربي وزحلة تتقدم على حسابات قياداتها المركزية، وهي متجهة للتصويت "ضد حزب الله" بصرف النظر عن الجهة التي ستحمل هذا الخطاب.
ضياع الفرصة
وبرأي هؤلاء أنه آن الأوان للتفكير ببلورة قيادات لامركزية على تواصل تام مع الأحزاب المركزية، تقوي الخاصرة الضعيفة للسنّة في البقاع، وتسمح بإشراك البقاع بالقرارات المتخذة على المستوى المركزي. وهو ما يشكل تداركاً للهفوات التي وقعت فيها معظم الأحزاب وخصوصاً تيار المستقبل، الذي بقي يعاني من غياب التفاهم مع جمهوره، وخصوصاً عندما اندلعت ثورة 17 تشرين.
وما يلفت في كل هذه النقاشات في البقاع أنها تُسقط جميعها إمكانية خلق حالة تغييرية لكل الأطراف السياسية التي نادى حراك 17 تشرين بسقوطها. وحسب المراقبين فإن قوى التغيير بسبب عدم تأطرها تنظيمياً، ضيعت فرصتها التي كانت مناسبة لإيجاد الأرضية الملائمة لانخراطها الفاعل بالانتخابات، وخصوصاً بعد انسحاب تيار المستقبل من الساحة السياسية السنّية.