صحافيون لبنانيون يتأهبون للانتقال الى العمل السياسي
جاء في المدن:
ليس مفاجئاً اعلان الصحافي ميشال الحلو، المدير التنفيذي في صحيفة "لوريون لو جور"، عن استعداده للاستقالة من منصبه ليخوض مغامرة سياسية. فالحلو، هو ابن عائلة سياسية، وحفيد لوزيرين سابقين (ميشال ادة وبيار حلو)، وبالتالي، لن يكون خياره خارج السياق العام الذي يربط بين واقعين، أولهما اتجاه أبناء العائلات السياسية لاستكمال أدوار أجدادهم، وتوق الصحافيين لشغل مناصب سياسية، وهو واحد من أبرز التقاليد اللبنانية.
خلال السنوات الثلاثين الماضية، تحول صحافيون بارزون نحو العمل السياسي، الوزاري أو النيابي. في الانتخابات النيابية السابقة، سُجّل ترشح 18 صحافياً للانتخابات. وضمّت الحكومة الاخيرة، ثلاثة صحافيين، هم وزير الاعلام جورج قرداحي، ووزير الزراعة عباس الحاج حسن، ووزير الشباب والرياضة جورج كلاس. بات الرابط بين الصحافة والعمل السياسي، أكثر متانة، شأنه شأن المحاماة والعمل التشريعي، ورجال الاعمال والعمل الوزاري.
هذا التقليد تكرس خلال السنوات الماضية. بات العمل السياسي هدفاً أساسياً للفئات الثلاث، رغم أن الفارق في معايير اختيارهم، كبير. فالنظام يجذب رجال الاعمال، بهدف رفده بعلاقات اقتصادية وخبرات مالية، يتقاضى رجال الاعمال تعويضاً عنها شراكة في قرارات اقتصادية تعود بالفائدة عليهم. كما يجذب القانونيين بالنظر الى ضعف القدرة على الفصل بين القانون والعمل السياسي، ولو أن البرلمانات الاخيرة لم تضم كمية كبيرة من المشرعين البارزين، وهو جزء من معضلة القوى السياسية والاحزاب التي تحاصرها معايير أخرى لترشيح النواب، أبرزها العلاقات الشخصية وممولي الحملات الانتخابية للأحزاب، والاعتبارات العائلية والمناطقية.
تلك المعايير الاخيرة، هي نفسها التي تلزم الاحزاب باختيار الصحافيين. فالصحافي، في الغالب (ومن غير تعميم)، لا يتم اختيار ترشيحه كضليع في العمل السياسي، أو حتى التشريعي، ولو أن بعضهم يفوق بعض السياسيين الحاليين تحليلاً وخبرة وضلوعاً بالعمل السياسي. تلتقي تلك الاعتبارات مع نوازع شخصية لدى الكثير من الصحافيين، يسألون عن "الوجهة المقبلة" بعد العمل الصحافي. ينافس الصحافي السياسي في موقعه، كمستشار أو كمحلل، ويطرح نفسه بديلاً عن الموجود في الضوء، وتؤهله خبراته للبحث عن فرصة، لدى قوائم السلطة أو المعارضة، لاقتحام المشهد.
لا يُخفى أن بعض الصحافيين، وخصوصاً العاملين في الشأن السياسي والاقتصادي، يتصرفون كسياسيين عارفين بأصول اللعبة السياسية في البلاد، بما يتخطى دورهم كصحافيين. ينتقد هؤلاء الأداء، من باب المنافسة، لا من باب التصويب، وتلك واحدة من المعضلات الكبيرة. لا فصل في الادوار، ولا تصويب لسلوك سياسي الا من باب منافسته. يُراد من هذا الخطاب أمران، إما توثيق العلاقة مع الطرف البديل، تمهيداً لدور سياسي مستقبليّ، وإما لاثبات الذات، واثبات المعرفة، تمهيداً لمرحلة الانتقال الى العمل السياسي بـ"وهم" القاعدة الشعبية التي تستمع اليه. وقد أثبتت التجارب، مع عشرات الصحافيين خلال السنوات الثلاثين الماضية، أن البحث عن "الوجهة المقبلة" هو ما أهّل صحافيين لانتقال سلس نحو السلطة.
في الاروقة الداخلية والجلسات المغلقة بين صحافيين وسياسيين تربطهم علاقات وثيقة، يزاود الصحافي على السياسي بمواقفه. رأيه في هذا الصدد، لا يندرج ضمن اطار جمع الخبر ونقل المواقف، بقدر ما يُراد منه تسويق الذات لمراحل أخرى. يضج الوسط السياسي بتلك المعطيات. كما تضج أروقة المعارضة وملتقى المدنيين بتلك التقديرات. ويحكى أن الاسماء المرشحة لخوض غمار الانتخابات من الصحافيين، قد تفوق أعداد الدورة الماضية..ببركة مرحلة 17 تشرين وما تلاها.