فيلم انتخابي ميثاقي للعودة إلى الدائرة 16... ورفض اغترابي عارم
في العاشر من الجاري، أعلنت وزارة الداخلية والبلديات فتح باب الترشح للانتخابات البرلمانية المقررة في أيار المقبل. وحتّى يوم الجمعة الماضي، بلغ عدد المرشحين سيدتين اثنتين فحسب، فيما تتّخذ وزارة الخارجية كلّ الإجراءات اللازمة للتحضير ومواكبة العملية الانتخابية.
هذا داخلياً، أما خارجياً، فبعدما رفض المجلس الدستوري طعن "التيار الوطني الحر" في قانون الانتخابات لجهة التعديلات التي أدخلها مجلس النواب عليه، وخصوصاً في ما يتعلق باقتراع المغتربين، الأمر الذي أعاد للجالية اللبنانية حول العالم حقّها في اقتراع 128 نائباً من دون أي تمييز بينها وبين المقيمين، أما إجراء الانتخابات في الدائرة 16 (المخصصة للمغتربين) فتأجّل لعام 2026، وفق ما كان أكّده رئيس المجلس القاضي طنّوس مشلب.
إلا أن السلطة الحاكمة المرتعبة من أصوات المغتربين، وجدت منفذاً جديداً لتبرير عودتها إلى الدائرة 16 التي تحصر نواب الاغتراب بـ 6 فقط موزعين طائفياً، ولن يصعب عليها ذلك هي المحنّكة في إيجاد آلاف المخارج والالتفافات القانونية للتراجع عن قرار المجلس الدستوري في مجلس النواب، ما يعني عودة الكفاح الاغترابي إلى نقطة الصفر. وبالفعل علمت "المركزية" أن المفاوضات انطلقت بين الخصوم في البرلمان لبحث العودة إلى الدائرة 16 قبل الاجتماع المقبل لمجلس النواب وإصدار القرار رسمياً.
رئيس "تجمّع رجال الأعمال اللبنانيين الفرنسيين" والأمين العام لـ"المنتدى اللبناني للتنمية والهجرة" ونائب الرئيس العالمي السابق لـ"الجامعة اللبنانية الثقافية في العالم" أنطوان منسّى يؤكّد أن "كلّ يوم يمر خلال الفترة الفاصلة عن موعد الانتخابات تزداد فيه مخاوفنا ولدينا شكوك كبيرة من العودة إلى الدائرة 16 ومجرّد إثارة الفكرة يقلقنا كمغتربين"، كاشفاً لـ"المركزية": "عندما أعلن رئيس تيار المستقبل سعد الحريري عزوفه وحزبه عن الترشّح للانتخابات النيابية، أدركت اكثرية الجهات السياسية وأهل الحكم أن عدم دخول الحريري المعترك السياسي سيكسر الميثاقية، مما يبرر البحث في اعتماد الدائرة 16 احتراما للتوازنات داخلياً، والسبب الحقيقي هو الخوف من الانتخابات الخارجية، كون نسبة المغتربين المؤيدين للأحزاب والمسجلين للاقتراع بلغت 7 إلى 8 % فقط أما العدد المتبقي فمكوّن من مستقلين وأحرار أغلبهم ترك لبنان اشمئزازا، وبالتالي هدفهم انتخاب أشخاص جدد مما يثير المخاوف في صفوف المنظومة الحاكمة ومرشّحيها". مضيفاً: "إن كان المغتربون قد تسجلوا فلأن كلّا منهم يمكنه الاقتراع في منطقته وليس لنواب الاغتراب الستة وهو عدد طائفي لا يمثّلهم أصلاً. كذلك، العودة إلى هذا القرار يؤدي إلى الطعن به من جديد ما يعني تأخير موعد الانتخابات النيابية ولن يسكت أحد عن هذا الموضوع".
ويتابع: "هذه القضية شديدة الجدّية، فحتّى من كان ضدّ الدائرة 16 وساهم في عدم اعتمادها مستعدّ لتبديل رأيه بحجّة احترام الميثاقية. لكن الاغتراب يرفض تركيب أفلام ميثاقية والإدّعاء بالتخوّف من عدم احترامها لأن مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان اجتمع مع جميع الزعماء السنة واتفقوا على المشاركة في الانتخابات".
ويعتبر منسّى أن "الدائرة 16 تمييع لحقوق المغتربين. ولن نترك العمل بها يتم من دون اتخاذ أي خطوات لمحاربتها ومنعها، فلم نسهر الليالي ونرسم خطوطا ساخنة في العالم ونبذل كل هذه الجهود سُدى، ووصلنا إلى نتائج مرضية إذ خلال شهر ونصف الشهر فقط تسجّل عدد كبير جدّاً، وعملنا جاء بناءً على إيماننا بنظام يقرّ بأحقية المغترب في المشاركة في الانتخابات في بلده الأم والتعبير عن رأيه. وأغلبية الساعين للتشجيع على التسجيل للاقتراع كانت من الشباب الذين ولدوا في الخارج، فلا يمكن أن نقلب عليهم القانون فينعدم إيمانهم بلبنان ورغبتهم في مساعدته على مختلف الصعد. وصلنا إلى وقت يحوّل فيه الأولاد في الخارج 50$ لأهلهم في لبنان، ولأوّل مرة في تاريخ البلد تصل تحويلات قيمتها متدنية بهذا الشكل، نظراً إلى صعوبة ظروف العيش. لهذه الأسباب لن نسمح بالعودة إلى الدائرة 16".
ويوضح أن "قنوات التواصل فُتحت مع الجهات اللبنانية وبدأنا بالتحذير من أن السير بالدائرة 16 أمر غير مقبول، ومن غير الممكن التراجع بعد الآن، خصوصاً أنها ستؤدي إلى تقسيم الاغتراب. فإذا حصلت انتخابات تعطي المغتربين 6 نوّاب نكون أمام خيارين: إما مقاطعة العملية الانتخابية 100% وقد تكون المقاطعة مالية أيضاً لجهة وقف التفكير بإعادة الاستثمارات، لكن لن نقاطع أهلنا ونضرّهم أكثر بعد. أو سيتم وضع 6 نواب آخرين في وجه الستة الأول، ما يعني شرذمة وتقسيم الاغتراب طائفياً بعد مساعينا لتوحيده".
ويشير منسّى إلى أن "الأسبوع الماضي بدأت الاجتماعات مع مجلس الشيوخ الفرنسي ونبحث الموضوع مع الخارج، لكن لا نعرف مدى فاعلية الضغط الخارجي، خصوصاً أن الداخل لا يتجاوب والخارج يعتبر أنه يجب على اللبنانيين حلّ شؤونهم الداخلية في ما بينهم وهم بعد ذلك مستعدّون لتقديم المساعدة. وفي النهاية كلمة الاغتراب مهمّة ولها وزنها".