مرشح؟ إتصل بنا
مائة ألف مقاتل... مائة ألف ناخب

مائة ألف مقاتل... مائة ألف ناخب

كتب فراس حمية في موقع لبنان الكبير:

لا بد من الإشارة إلى أن الديموقراطية فعل مدني لكن بمجرد وجود طرف يحمل السلاح فهذا ينسحب على تغيير ديناميكية العملية الديموقراطية بأسرها ويضع صبغة "الفعل المدني" تحت المجهر لفحصها. فتأثيرات السلاح، أي سلاح حزب الله، يمكن الاستدلال عليها من قبل وأثناء وما بعد العملية الإنتخابية. فقبل العملية الانتخابية تتمظهر المؤشرات في الحشد والتهويل والتخويف، وأثناء العملية الانتخابية تتمظهر في نشر الخوف والتضييق على الخصوم السياسيين في غالبية المناطق الشيعية. وأما بعد إعلان النتائج فيمكن أن تتمظهر المؤشرات عبر فرض معادلة مغايرة للنتائج في حال خسارة فريق حزب الله الأغلبية النيابية.

ويمكن الاستدلال على ذلك مما حصل عام 2008 حين خرج الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله ليقول: "صحيح لم نكسب الغالبية النيابية لكن عدد الأصوات الذين صوتوا لفريق 8 آذار يفوق عدد أصوات الذين صوتوا لفريق 14 آذار!" وهكذا، يقلب المنطق ويعود لإيجاد تبريرات للغطرسة المستندة إلى السلاح.

في لبنان يمنع على الجيش والقوى الأمنية (تعدادها أقل من مائة ألف) المشاركة في الإنتخابات البرلمانية والمحلية أيضًا، بينما مقاتلو حزب الله (مائة ألف حسب خطاب حسن نصرالله) يسمح لهم بالمشاركة والادلاء بأصواتهم. يضعون أسلحتهم في المخازن ويتوجهون إلى صناديق الإقتراع. وبذلك، يكون حزب الله متقدماً على خصومه في أي انتخابات مقبلة بمائة ألف صوت انتخابي مقابل صفر أصوات انتخابية للأحزاب الأخرى. فهل يعقل الحديث عن عدالة انتخابية؟ خصوم حزب الله في السياسة يدخلون إلى اللعبة وهم خاسرون سلفًا بينما يخوض حزب الله معهم اللعبة الديموقراطية ويستغلها للفوز بالمزيد من الهيمنة!

بالمقارنة أيضاَ بين الجيش اللبناني والمائة ألف مقاتل المنتمين لحزب الله، نجد أن من يمارس الوظيفة العسكرية الحمائية هم مقاتلو الحزب أكثر من الجيش اللبناني. فحين الحديث عن "العسكر" يجب استحضار مقاتلي الحزب قبل جنود الجيش اللبناني، وحين الحديث عن القوى الأمنية، لا يمكننا غض الطرف عن دور أجهزة الحزب الأمنية في مناطقه وعلى الحدود اللبنانية، وبذلك فالمائة ألف مقاتل يمارسون فعلياً وظائف الجيش والقوى الأمنية، إذا لم يسعفنا القول أنهم يصادرونها.

وهنا يجب التذكير بالاستراتيجية الدفاعية التي كانت بنودها تتضمن إما "التنسيق أو الدمج أو الاستيعاب التدريجي مع لامركزية في القرار" وغيرها من الرؤى الأخرى. لكن هذه الرؤى لا مفر من جعل المائة ألف مقاتل عناصر لهم وضع خاص مقونن في الدفاع عن لبنان وحمايته ضمن صيغة محددة. فهل يُعقل أن يستثنى هؤلاء فيسمح لهم بالمشاركة في العملية الانتخابية، في الوقت الذي يمنع جنود الجيش من ممارسة هذا الحق أسوة بمقاتلي الحزب؟!

فمتى كان العمل الحزبي مأجورًا وتدفع له الرواتب فقد دوره الحزبي الوطني وصار أشبه ما يكون بالرشوة والإرتهان وشراء الأصوات. يضاف إلى ذلك البناء الإيديولوجي الديني المقدس وفرضه في المعادلة السياسية مع كل ما يحمله من عنف مستتر وعصبية طائفية مدعمة بالسلاح. ومما زاد من التفاوت وحجم التأثير، أن عائلات بكاملها تعتاش اقتصاديًا من دولارات مقاتلي الحزب، وهؤلاء يشاركون في الإنتخابات النيابية غبّ الطلب. بينما بالمقارنة، يُحرم الجنود في الجيش اللبناني والقوى الأمنية من المشاركة في الانتخابات فيما أوضاعهم المعيشية باتت في الحضيض، فلماذا يسمح لأذرع عسكرية محددة فيما تمنع أخرى من المشاركة؟!

فكيف يصح الحديث عن مساواة في العملية الإنتخابية فيما لا يستطيع مناصرو اللوائح المعارضة رفع أعلامهم في القرى المهيمن عليها من قبل حزب الله ولا يتمكنون من ممارسة دعايتهم خارج أماكن التصويت، بينما تنتشر سيارات الحزب رافعة الأعلام والأناشيد الصاخبة مانعة أي مظهر معارض من التعبير عن نفسه بحرية ومسخّرة الإعلام وخطابات الكرامة في معركتها الإنتخابية. كيف يصح القول عن إنتخابات نزيهة ديموقراطية في ظل أحاديث عن تصويت الموتى وعن إجبار العجائز في القرى على الإدلاء بأصواتهم بمساعدة عناصر حزب الله؟! كذلك، كيف يصح الحديث عن الحق في التعبير عن الرأي في ظل سطوة وانتشار الخوف في العديد من القرى الشيعية؟ فيتم التشهير بمن لا ينتخب "لائحة الوفاء للمقاومة"، فيتم نبذه واعتباره إما عميلًا أو إرهابيًا أو فاقدًا للكرامة أو خنثيًا، ويستتبع ذلك بعنف الأهالي كما يتم تصويره عادة. لكن هذا العنف من أين استنبط جذوره؟ّ!

فكل حديث عن انتخابات ديموقراطية في ظل وجود سلاح خارج سلطة الدولة المركزية هو كذب. وكل حديث عن مساواة في ظل إنعدام الأطر الديموقراطية والقانونية هو دجل. وليس مصطلح "انتخابات حرة ونزيهة" كلمة تقال، وإنما هي عبارة عن مجموعة من الأفعال يجب توفرها، وهي للأسف تفتقر إلى الوجود في ظل وجود فئة تحمل السلاح.

فالسلاح يضرب كل أشكال الديموقراطية بسبب ضربه لكل مبادئها بين المواطنين. والحديث هنا حول "إستعمالات هذا السلاح ووظيفته" وليس وجوده المادي فقط وإنما عبر الرجوع إلى تاريخ إستخداماته، فنجده صار عقبة أمام أي حل للإنتقال الديموقراطي الكامل في لبنان بل هو سبب جوهري من أسباب الصدام الأهلي.

لكن ذلك لا يلغي أهمية إجراء الانتخابات، على الأقل، كي لا تُحرم منها طوائف أخرى من المسيحيين والسنّة والدروز وغيرهم.