مرشح؟ إتصل بنا
مصير الإنتخابات النيابية في مهبّ الطعون

مصير الإنتخابات النيابية في مهبّ الطعون

كتب طوني كرم في "نداء الوطن":

تراهن القوى السياسية الجديدة، كما بعض الأحزاب الممثلة في مجلس النوّاب، على الصوت الإغترابي لتقوية حظوظها بالتغيير المنشود أو لتحسين تمثيلها العددي، وتشير "الدوليّة للمعلومات" إلى أن الإغتراب اللبناني يضم مليوناً و320 ألف لبناني مقيم خارج لبنان، منهم 170 ألفاً غادروا منذ العام 2019، في حين بلغ مجموع المغتربين اللبنانيين المسجّلين للمشاركة في الإنتخابات النيابية المقبلة، قبل 4 أيام من إنتهاء المهلة في 20 تشرين الثاني 165481 بعد أن كان 82965 في 2018، وشارك من بينهم 47799 مقترعاً أي بنسبة 56 في المئة. فهل يتخطى عدد المسجّلين المئتي ألف؟ وهل سترتفع نسبة المقترعين عما كانت عليه في الـ2018؟

أيام ثلاثة، ويقفل باب تسجيل المغتربين للمشاركة في الإنتخابات النيابية المفترض إجراؤها، قانوناً، في خلال الـ 60 يوماً التي تسبق إنتهاء ولاية المجلس في 20 أيار 2022. وثمة مخاوف جديّة من الإطاحة بالموعد المحدد ليوم الإنتخابات، أي 27 آذار من السنة المقبلة وقد تجد بعض الأطراف أن من مصلحتها تطيير الإنتخابات برمتها وترحيلها إلى ما بعد الإنتخابات الرئاسية. والبداية من الطعن المتوقع أن يقدمه نواب في تكتل "لبنان القوي".

إنّ قبول المجلس الدستوري الطعن في القانون يعيد كرة النار إلى الحكومة شبه "المعطلة"، لتعمد بدورها إلى إستصدار المراسيم التطبيقية للقانون النافذ الذي ستجري الإنتخابات على أساسه، بحيث نصت المادتان 122 و123 على إنشاء لجنة مشتركة من وزارتي الداخلية والخارجية تأخذ على عاتقها تطبيق أحكام الفصل المتعلق بإنتخابات المغتربين، بعد استصدار مرسوم في مجلس الوزراء بأكثرية الثلثين بناءً على اقتراح وزير الداخلية، الذي يضع تصوراً حول تقسيم القارات الـ 6 على 6 طوائف، مناصفةً بين المسيحيين والمسلمين، من أجل إنتخاب النواب في الإغتراب، ليصبح عددهم 134 نائباً في دورة 2022. وتعمد وزارة الداخلية بالتوازي على تحديد المقاعد التي ستلغى في الدورة المقبلة من النواب المقيمين، ليعود عدد أعضاء المجلس إلى 128 نائباً في دورة 2026، (122 نائباً مقيماً + 6 نواب عن الإغتراب)، ويُرفع بعدها المرسوم إلى مجلس الوزراء الذي يجب أن يحظى بموافقة أغلبية الثلثين من أعضاء الحكومة! وليس بمستغرب على اصحاب النوايا التعطيلية سعيهم إلى تقديم كافة الذرائع من أجل أن يصبح التمديد بحكم الواقع، ويترافق بذلك على كافة الإستحقاقات المقبلة والرئاسيّة تحديداً، ولكن ماذا عن "القوى التغييرية" والمغتربين؟

بداية التغيير

يوضح الخبير الإنتخابي سعيد صناديقي في حديثه لـ"نداء الوطن"، إلى أنّ القوى السياسية تعمد إلى إحباط الرأي العام، ودفع الناخبين والقوى التغييرية تحديداً إلى ملازمة منازلهم، وعدم التحرك بإتجاه صناديق الإقتراع، وقطع الطريق أمام أي تغيير أو منافسة محتملة، وذلك عبر وضع الإستحقاق في دائرة الشكّ، من خلال التخبط والضبابية التي ترافق القانون وتاريخ إجراء الإنتخابات، ودفع بعض المجموعات إلى التشكيك في نتائجها وصولاً إلى عدم المشاركة، لتعمد بعدها الأحزاب الممسكة في السلطة اليوم، إلى إجراء الإنتخابات التي تلائمها في ظل غياب القوى المعارضة وتشتتها، فتستعيد بذلك مشروعيتها أمام المجتمع الدولي الذي يعتبر لبنان على مشارف الدول الفاشلة.

وشدد صناديقي على أهمية تسجيل المغتربين قبل 20 تشرين الثاني في حال عدم قدرتهم على المشاركة حضورياً عند تحديد الموعد النهائي للإنتخابات في لبنان، بين 27 آذار و15 أيار، ويضمنوا بذلك حقهم في الإقتراع بعيداً من الوجهة التي سيسلكها القانون في المجلس الدستوري، وعن قبول الطعن به، أكان لجهة الإنتخاب ضمن دائرة القيد في لبنان، أو على أساس الدائرة الـ16 المستحدثة في الإغتراب.

وتوقف صناديقي عند تأثير "الصوت المغترب" الذي يتعدى عملية الإقتراع في الخارج وصولاً إلى عائلاتهم وأقاربهم في لبنان، ليشكل المغتربون بفضل ارتباطهم الوثيق في الداخل، عاملاً أساسياً بوجه استراتيجية الأحزاب التي تتحكم في قاعدتها الشعبية، والتي تسعى عبر الضبابيّة المتبعة إلى الضغط والتأثير على الناخبين، وصولاً إلى المرحلة التي يفقد فيها الناخبون الأمل في التغيير ويحجمون عن المشاركة في الحياة السياسية. ولفت صناديقي إلى أن الجميع يطالب بالتغيير، مشيراً إلى أن الإنتخابات هي عنوان لبداية التغيير، أي بداية الطريق، بغض النظر عن النتائج التي يمكن أن تحصدها المرحلة الأولى، والتي لن تكون الأخيرة، بل هي الإمتحان الأول للحركات السياسية التي يسعى إلى بلورتها، وغير المرتبطة في موعد الإستحقاق، وذلك عبر التحضيرات اللوجستية السياسية التي باستطاعتها حمل راية التغيير والإستمرار في خوض الإستحقاقات المقبلة.

وعن الدور الذي يقوم به إنتخابياً، أوضح صناديقي من موقعه كرئيس تنفيذي لحركة "سوا لـ لبنان"، أنّ الحديث الجدي عن الإنتخابات يبدأ مع تحديد الموعد النهائي لها وإصدار مرسوم دعوة الهيئات الناخبة، مشدداً على أن الهدف الرئيسي يكمن في بناء الحركة السياسيّة لما بعد الإستحقاق النيابي بغض النظر عن النتائج المتوقعة من الإنتخابات وتاريخ إجرائها، وذلك بالتوازي مع السعي الدؤوب إلى دفع المواطنين إلى الخروج من حالة الإحباط وتشجيع المغتربين غير القادرين على التواجد في لبنان أثناء الإنتخابات، إلى التسجيل في الخارج كي لا يفقدوا حقهم الدستوري في المشاركة في العملية الإنتخابية، واشراك المقيمين في التحضير للمشاركة الفعليّة في بداية التغيير عبر التصويت في الإنتخابات.

وتوقف صناديقي عند تعدد القوى التغييرية التي تقوم عن حقّ في بناء مشاريعها السياسية الخاصة، مبدياً إستعداد الحركة إلى خوض الإستحقاق في جوّ من التعاون البنّاء بين أفرقاء "المعارضة"، الذين أثبتوا أنفسهم أكان في ساحات الثورة أو من خلال نضالاتهم السابقة من أجل القدرة على تحقيق التغيير المنشود بوجه أحزاب السلطة.

وعن التخوف من تأجيل الإنتخابات، أكّد الرئيس التنفيذي لحركة "سوا لـ لبنان"، أنه في حال توافر الإرادة السياسية من أجل إحترام الإستحقاق الدستوري، فإن كل الذرائع الأخرى تسقط حكماً، وتحديداً في ظل حرص المجتمع الدولي على إحترام المواعيد الدستورية، والإستعداد لتأمين الدعم للحكومة عبر تأمين الحبر الإنتخابي وطباعة القوائم الإنتخابية، والعديد من المتطلبات المرتبطة بهذا الإستحقاق؛ ليبقى القرار السياسي بيد الأحزاب الحاكمة أكانت في الحكومة أو في المجلس النيابي، والتي قد تسعى إلى فرض تطيير الإنتخابات وفرصة التغيير في صناديق الإقتراع.


عوائق وشكوك

وفي سياق متصل، تشير الناشطة السياسية ضمن مجموعة "مغتربين مجتمعين" في أستراليا، المهندسة فاطمة حبلص، إلى العديد من العوامل التي تحول دون إندفاعة المغتربين إلى تسجيل أسمائهم للمشاركة في الإقتراع، أبرزها: التشكيك في إمكانية حصول الإنتخابات والقدرة على تغيير الطبقة السياسية التي تحظى بتأييد مناصرين لها في لبنان كما في الإغتراب، ليشكل غياب القوى البديلة وتعددها أبرز العوامل عند غير الحزبيين، ودفعهم إلى اللامبالاة في مآل الإستحقاق، وتحديداً في ظل التشكيك المتزايد بنزاهة الجهات التي تقوم بنقل اصوات المغتربين وفرزها في لبنان. وإذ أوضحت حبلص، أن المقيمين في أستراليا، خلافاً لأوروبا ودول الخليج العربي، من الصعب عليهم الإنتقال إلى لبنان والإقتراع عند تحديد موعد الإنتخابات، أشارت إلى أن العديد من اللبنانيين الذين إلتحقوا مؤخراً بدول الإغتراب لا يملكون الوثائق القانونية المطلوبة من أجل تسجيل أسمائهم على المنصة، منها الإقامة الدائمة، أو جواز سفر أجنبي، وغيرها من الوثائق التي تؤكد الإقامة في دول الإغتراب، ليضاف إلى ذلك، إرتفاع رسوم تجديد جوازات السفر إلى 60$ لمدة سنة، بعد ان تم تشجيع المغتربين في دورة 2018، عبر إصدار جواز سفر صالح للإنتخاب مقابل دولار أميركي واحد لا غير، كون العديد من المغتربين ليس بحوزتهم "هوية" جديدة، وبذلك فهم بحاجة إلى تجديد جوازات سفرهم، لتكون صالحة ليوم الإنتخاب الذي لم يحدد (بشكل نهائي) والذي يدور حوله العديد من التساؤلات.

تململ

من جهته، جدد الناشط السياسي في فرنسا مارك تويني على الهواجس المشتركة للإغتراب والتي تحول دون اندفاعة المغتربين إلى المشاركة في الإنتخابات، مشيراً إلى أنّ العديد من المواطنين تركوا لبنان بسبب الطبقة السياسية الحاكمة، ناقلاً تساؤل العديد من المغتربين حول جدوى المشاركة في إنتخابات تديرها المنظومة الفاسدة، ليؤكد من جديد أن الإنتخابات طريقة من أجل التغيير، ويجب ألّا يفقد اللبنانيون الأمل بغدٍ أفضل مهما كانت النتائج في الصناديق.

ودعا تويني إلى تشكيل هيئة مستقلة من أجل اجراء الإنتخابات، وإعطائها الصلاحيات المطلوبة، ليختم متوجهاً إلى المغتربين من أجل المشاركة في التسجيل بكثافة تحديداً في حال عدم قدرتهم على المشاركة والتصويت حضورياً من لبنان.

وأمام هذا الواقع، هل تعمد السلطات المعنية إلى مواكبة المغتربين وتقديم التطمينات المناسبة على الهواجس التي يطرحونها، أم أنّ الإستراتيجية المتبعة من قبلهم تقضي في إستنزاف مقدرات الإغتراب بدعم القوى الأهلية المحلية وابعادهم عن التأثير في صنع القرار؟ وهل تلاقي "قوى المعارضة" المغتربين التواقين إلى تشكيل قوى تغييرية محقة بعيداً من الشخصانية والتشتت المتبع في ما بينها، والذي يصب في صالح تعويم السلطة الحاكمة وتعيد بذلك إنتاج نفسها؟