موظفو الدولة يرفضون "هدية" ميقاتي.. ويهددون بمقاطعة الانتخابات
كتبت زاهية ناصر في المدن:
لن تمر "المساعدة الاجتماعية" التي أعلن عنها رئيس الحكومة نجيب ميقاتي لموظفي القطاع العام، والبالغة نصف راتب يُعطى عن شهري تشرين الثاني وكانون الأول قبل الأعياد، وبدل نقل يومي حضوري قدره 64 ألف ليرة.. مرور الكرام. إذ اعتبرها الموظفون إجحافاً بحقّهم، سيترتب عليه ليس فقط إضراباً مفتوحًا، بل مقاطعة شاملة للعمل خلال الانتخابات النيابية، في حال لم تتحقق مطالبهم.
ورغم أن الموظفين فكّوا الإضراب منذ مدة، إلا أن الشلل الكارثي يضرب القطاع العام، ومعظم الموظفين بالكاد يداومون مرة بالأسبوع، ما يصيب مصالح عموم المواطنين بالضرر الفادح. وهي أزمة تضاف إلى جبل الأزمات التي لا تجد حلاً.
مشاكل متراكمة
معضلة القطاع العام أنه في أذهان اللبنانيين وكر للفساد والزبائنية والتوظيف السياسي. فصورة الموظف الرسمي الذي يخدم المواطنين والمصلحة العامة مهشمة، ومشوّهة. ولذا، نادراً ما يجد موظفو الدولة تعاطفاً مع مطالبهم وحقوقهم. وآخر ما علق في أذهان اللبنانيين هو الآثار المالية المدمرة لتداعيات سلسلة الرتب والرواتب التي أقرت عام 2017 وبنيت من دون أسس اقتصادية صحيحة وعلمية. فسوء احتساب عدد موظفي القطاع العام وتقدير كلفتها بـ1200 مليار ليرة فقط، أدى إلى عجز فاضح بالأرقام. إذ تشير التقديرات الى وصول تكلفة السلسلة إلى 3000 مليار ليرة، وحينها لم تُنصف الفئات الرابعة- الرتبة الثانية والخامسة (وهم الأكثر حاجةً). هذا عدا عن فضيحة "التوظيف الانتخابي". فكما بات معلوماً، تمّت مخالفة القانون 46/2017 الذي أقرّ سلسلة الرتب والرواتب ومنع التوظيف في الإدارات العامة، حين تمّ إدخال حوالى 5 آلاف متعاقد إلى الإدارة، وانفجرت الفضيحة في مجلس النواب.. وحتى الآن، لم تتم محاسبة المسؤولين عنها، وهي التي فاقمت من الأعباء المالية على الدولة، وسرّعت في تخريب الموازنة وانهيارها.
وإذ يدافع عضو الهيئة الإدارية لرابطة موظفي الإدارة العامة، إبراهيم نحال، في حديث مع "المدن"، عن أحقية الموظفين بإقرار تلك السلسلة، معتبراً أنها أتت "بعد نضالات طويلة، حصلنا على سلسلة الرتب والرواتب في عام 2017، بعد آخر سلسلة عام 1997"، إلا أنه يحمّل مسؤولية نتائجها السيئة "للسلطة بسوء إدارتها"، ويقول إن "كلفة السلسلة لا تتحمل الانهيار الحاصل، بل السياسات الاقتصادية الخاطئة، المتمثلة بالهدر والفساد منذ اتفاق الطائف".
الورطة الفعلية أن للموظفين حقوقاً لا يمكن تجاهلها، إنما هناك أيضاً حقيقة التضخم المفرط في جيش الموظفين، إلى جانب النقص الكبير والشغور الواسع في الكثير من المناصب. وهذه المفارقة تدل على الاختلال العميق في البيروقراطية الرسمية، بين نسبة التوظيف الزبائني الأشبه بالبطالة المقنعة، والمكلفة للخزينة، وبين نسبة الموظفين الذين لا غنى عنهم في الإدارة، علاوة عن تخلف منظومة الإدارة العامة وقوانينها، التي تسمح بالفساد الواسع النطاق.
لذا، بين حقوق الموظفين وكرامتهم وحاجاتهم الملحّة، من جهة، وضرورة الإصلاح صوناً للدولة وللمصلحة العامة، وواقع الانهيار والإفلاس.. كان عجز الحكومة عن مواجهة هذه الاستحقاقات الصعبة، التي لجأت أخيراً إلى صيغة "المساعدة الاجتماعية"، التي سارع موظفو القطاع العام إلى رفضها.
ماذا عن شروط صندوق النقد؟
هكذا يتبدى الاستعصاء أمام حكومة لا يمكنها إقرار زيادة على الرواتب. فهي محكومة لا فقط بواقع الخزينة، بل أيضاً بأحد شروط "صندوق النقد الدولي"، الذي يطالب بإقرار خطة إصلاح شاملة تتضمن إعادة هيكلة للقطاع العام وترشيده. وحكومة ميقاتي تسعى بكل حماسة للتوصل إلى تفاهم مع صندوق النقد للحد من الانهيار الحاصل، حسب تقديرها.
إلا أن نحال، اعتبر أن "عملية تطوير وإصلاح القطاع العام لا تكون بالخضوع إلى إملاءات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي والدول المانحة، بل من خلال إعادة التوظيف عن طريق مجلس الخدمة المدنية، وإلغاء التعاقد الوظيفي، وملء الشواغر في الإدارات العامة، من خلال رفع يد الطبقة السياسية عن الإدارة، وإعادة الصلاحيات للتفتيش المركزي ومجلس التأديب الأعلى (المجالس الرقابية) للقيام بدورها الرقابي". مشدداً على أن "القطاع العام خطر أحمر ولن نقبل ببيعه، ولا بتشريد موظفيه. فالسلطة تشوه هذا القطاع وتريد تحميله مسؤولية الانهيار الاقتصادي".
تصعيد غير مسبوق
إزاء "حوار الطرشان" هذا، يبدو أن الموظفون الذين يعانون من واقع معيشي بالغ السوء والصعوبة غير قادرين على تقبل حالهم. وفي جديد تحركات رابطة موظفي الإدارات العامة، قالت رئيسة الرابطة نوال نصر، في حديث مع "المدن": "لم يتم تعليق الإضراب بالمطلق وأعدناه مفتوحاً. وهذا الإضراب سُطّر بقرارات اللجنة الوزارية التي أعلنت عن الإجحاف بحقّ موظفي القطاع العام وعطاءاتهم". مشيرةً، إلى أن "قرارات اللجنة الوزارية لا تلامس الحقوق ولا الحاجات ولا كرامة الموظف".
أما عضو الهيئة الادارية لرابطة موظفي الإدارة العامة، ابراهيم نحال، فأعلن في حديثه مع "المدن"، عن النية بمقاطعة الانتخابات النيابية، مؤكداً رفض الموظفين التام لقرارات الحكومة.
وأشار إلى "أننا نرفض هذه الحلول التي قدمتها اللجنة، ومطالبنا واضحة. نريد تصحيحاً للأجور بما يتماشى مع الوضع الحالي والانهيار في قيمة الراتب. وعلى السلطة دعم صناديق الاستشفاء (تعاونية موظفي الدولة والضمان الاجتماعي) حتى تستطيع القيام بدورها في تقديم الخدمات للموظفين كما كان سابقاً، ونريد بدل نقل عبارة عن نصف صفيحة بنزين عن كل يوم عمل حضوري"، مشدداً على "مواصلة العمل للحصول على مطالبنا، وربما قد نمتنع عن القيام بدورنا في العملية الانتخابية في حال لم تؤخذ مطالبنا بالاعتبار". داعياً الجميع للتحرك لخوض هذه المعركة عبر تحالف اجتماعي كبير. لافتاً إلى "تخاذل الاتحاد العمالي العام برئاسة بشارة الأسمر، وروابط السلطة التعليمية".
مصدر التمويل
على أي حال، تقدر كلفة المساعدات المالية (المرفوضة) التي ستعطى للموظفين في الإدارة العامة بخمسة آلاف و500 مليار ليرة لمدة سنة، لكن الرئيس ميقاتي يقول إنها ستكون لمدة شهرين. وحسب مصادر وزارية، تحدثت مع "المدن" حول مصدر وآلية تمويل هذه المساعدات، "لن تكون فقط عبر الدولار الجمركي، ورفع تكلفة الكهرباء، فهذا كلام للتغطية على حقيقة أنه سيكون هناك المزيد من طباعة العملة". أي بمعنى آخر، المزيد من التضخم والمزيد من تدهور سعر الليرة.
لذلك على موظفي القطاعين العام والخاص التنّبه لمسألة رفع الأجور. فهي وحدها لا تكفي لحل الأزمة. ففي ظل انهيار غير متوقف لسعر الصرف، لن تنفع زيادات على الرواتب سيصرفها الموظف على الضرائب والارتفاع اليومي لأسعار السلع والخدمات في ظل تضخم مفرط. فالمطالبة بتصحيح الأجور، يجب أن تترافق مع إجراءات نقدية ومالية، وتقديم حلول اقتصادية انتاجية.
القطاع الخاص
بالمقابل، لا يعتبر وضع موظفي القطاع الخاص بحال أفضل. فبعد سلسلة اجتماعات متواصلة للجنة المؤشر منذ قرابة الشهر، وقع وزير العمل مصطفى بيرم، مشروع مرسوم زيادة بدل النقل اليومي للقطاع الخاص والبالغ 65 ألف ليرة، وأحاله على مجلس شورى الدولة وفقاً للأصول.
هذه الزيادة التي تتقاطع مع زيادة بدل النقل لموظفي القطاع العام لن تخفف من حدة الأزمة. فمصادر مشاركة بلجنة المؤشر، تحدثت مع "المدن"، عن "أن زيادة بدل النقل العام للقطاع الخاص، أتت نتيجة الاجتماعات مع الهيئات الاقتصادية في لجنة المؤشر، لكنه من المؤكد أنها لن تحل المشكلة، لأن تكلفة البنزين للكيلومتر الواحد أصبحت 2570 ليرة، ومع ذلك مسألة رفع الأجور وتكرار سلسلة الرتب والرواتب لن تتكرر".