هدوء ما قبل الإنتخابات...
كتب جوني منيّر في الجمهورية:
على الرغم من الملفات الصعبة والشائكة التي تحاصر لبنان، الّا انّ ثمة سكوناً يخيّم على الحركة السياسية في لبنان، لا يتلاءم كثيراً مع طبيعة الاوضاع. قد يكون التفسير الوحيد لذلك بأنّه هدوء ما بعد زلزال خروج الرئيس سعد الحريري من الحياة السياسية ولو مؤقتاً، وما قبل الاستحقاق النيابي المنتظر. وهو هدوء يحاكي حال الانتظار التي تعيشها منطقة الشرق الاوسط، في انتظار الإعلان عن العودة الى التفاهم النووي بين الولايات المتحدة الاميركية وايران.
ذلك انّ إقرار هذا الاتفاق النووي مجدداً سيعني بلا شك دخول الشرق الاوسط في منعطف أساسي، وانطلاق حركة صاخبة عنوانها الشروع في ترتيب الساحات.
كل المؤشرات تدل إلى الاقتراب كثيراً من لحظة الإعلان عن العودة الى العمل بالاتفاق النووي الايراني. وآخر تلك الإشارات جاءت من العاصمة الاميركية واشنطن، التي حدّدت على لسان مسؤول رفيع فيها سقفاً زمنياً لانتهاء موعد المفاوضات. والموعد الجاري التداول فيه هو نهاية الشهر الحالي مبدئياً. وفي اوكرانيا تحضيرات جارية لإنجاز تسوية اميركية ـ روسية لا بدّ ان تطاول «خدمات» روسية في الشرق الاوسط. وها هو الرئيس الروسي يباشر التمهيد للانعطافة من التهديد بغزو اوكرانيا الى تحضير ملفات التفاوض. هو قال إنّ واشنطن تحاول استدراج روسيا الى حرب في اوكرانيا.
وتتمة كلام بوتين واضحة، وتعني أنّ روسيا «ستجهض» أهداف الاميركيين بعدم الإنجرار الى حرب وبالتالي غزو اوكرانيا، وهو ما يعني «انتصار» روسيا. وهكذا يحصل التمهيد لطاولات التفاوض في العادة. مع الإشارة الى ما كشفته وكالة «بلومبرغ» الاميركية حول مقترحات اميركية للتسوية.
وفي الشرق الاوسط، يستمر العمل على تجميع الاوراق المتعلقة برسم الخريطة الجديدة للمنطقة. فالصمت الذي أعقب استهداف ابو ظبي بالصواريخ والقصف العنيف لمناطق الحوثيين في اليمن، لا بدّ من انّهما يخفيان حركة ناشطة، ولكن في الكواليس، على شكل وساطة بين الإمارات وايران. ذلك انّ الجرأة في عملية استهداف العاصمة الإماراتية لا يمكن وضعها وإدراجها في إطار التطورات العسكرية اليمنية فقط، خصوصاً انّها تزامنت مع اول زيارة لرئيس اسرائيلي الى دول الخليج العربي. وقد تكون تلك الصواريخ تحاكي الرسم الجاري للخريطة السياسية في المنطقة. فإيران التي وصلت الى الحدود مع اسرائيل في جنوب لبنان وايضاً في الجولان، وسط جهود اسرائيلية مستمرة لإبعادها من هناك، لمست في التطور السريع للعلاقة الإماراتية ـ الاسرائيلية والدينامية الناشطة، اقتراب اسرائيل من الشواطئ الإيرانية، والتي لا تبعد سوى مسافة قصيرة عن الساحل الإماراتي.
وليس بحدث بسيط حصول تلك المناورات البحرية الضخمة والتي تقودها البحرية الاميركية في البحر الاحمر ومياه الخليج العربي، والتي تضمّ 60 دولة عربية وإسلامية اضافة الى اسرائيل، وجنباً الى جنب تنفّذ القطع البحرية العسكرية الاسرائيلية والسعودية والباكستانية والمصرية والإماراتية اضافة الى دول اخرى، اكبر مناورة واول تدريب من نوعه متعدّد الجنسيات.
وفي الوقت نفسه تستمر تركيا في توجيه رسائلها الميدانية، من خلال قصفها الأكراد في شمال العراق وسوريا، حيث تطالب بتشريع نفوذها هناك. وهي بالتالي تحضيرات لتشابك القوى للدخول في مرحلة إعادة ترتيب خريطة النفوذ في المنطقة، خصوصاً انّ الولايات المتحدة الاميركية تريد إقفال الشرق الاوسط بوجه سعي الصين للتغلغل في ساحاتها، عبر الاستثمار في مشاريع البنى التحتية لدول المنطقة. مع الإشارة الى انّ الصين تشتري حوالى نصف حاجاتها النفطية من الشرق الاوسط. وبالتالي، فإنّ حال الهدوء النسبية التي يشهدها لبنان في المرحلة الحالية تصبح مفهومة ولو انّها قد لا تطول كثيراً.
في الواقع، فإنّ محطة الانتخابات النيابية والرهان على خلخلة ركائز المنظومة السياسية الحاكمة، يصبحان مسألة مهمّة جداً ومطلوبة قياساً مع التطورات العامة المنتظرة.
وقد يكون البعض في لبنان لم ينتبه الى الأهمية المتوخاة من الاستحقاق النيابي المقبل. لذلك توهم هذا البعض أنّه قادر من خلال بعض التحايل، على تأجيل هذا الاستحقاق قبل ان يكتشف الاهتمام الدولي الكبير بضرورة إتمام هذا الاستحقاق.
بالطبع، فإنّ قلق الفاتيكان نابع من «الأنانية» التي تتعاطى من خلالها الطبقة السياسية مع مخاطر وجودية بهذا الحجم. وهذا ما جعل رأس الكنيسة الكاثوليكية ينتقد مراراً وجهاراً أنانية بعض من في السلطة في لبنان.
وزير خارجية الفاتيكان سأل كثيراً عن الانتخابات النيابية المقبلة، وعلى الرغم من انّ إجابات البعض أوحت بأنّ نتائجها لن تبدّل كثيراً، الّا انّ المسؤول الفاتيكاني تطرّق اكثر من مرة الى الاستحقاق الموعود. ووصف بعض من رافق اجتماعه برئيس الجمهورية بـ»البروتوكولي» وبرئيس مجلس النواب بـ»العملي» وبقائد الجيش بأنّه لـ»التعارف». اما تصريحه المكتوب من على منبر قصر بعبدا فحمل كثيراً من الدلالات.
اذاً، هو الهدوء الذي يسبق انفجار الصخب الانتخابي، ومن المتوقع ان يكون المسار الانتخابي غريباً بعض الشيء.
«حزب الله» الذي يتولّى الشيخ نعيم قاسم والسيد هاشم صفي الدين ادارة معركته، يعمل على تحقيق ثلاث اولويات: الاولى تقضي بإقفال الحصة النيابية الشيعية لمصلحة «الثنائي» ومن دون أي خروقات. هو يريد ان يمتلك من خلال ذلك استمرارية بقاء ورقة الميثاقية بيده.
والثانية، تقضي بضمان نسبة الثلث في المجلس النيابي لمصلحته، وهو بذلك يريد إبقاء ورقة التحكّم بالقرارات الكبرى بيده.
اما الثالثة، والتي يدرك انّ ما دونها مصاعب كثيرة، فهي الاحتفاظ بغالبية النصف النيابية، والمحك هنا يتعلق بالتراجع الشعبي لحليفه «التيارالوطني الحر»، لكن «حزب الله» مصمّم على دعمه الى الحدّ الأقصى.
في المقابل، تدور نزاعات «رئاسية» من خلال التحضيرات للوائح الانتخابية.
وبات معروفاً النزاع الرئاسي في دائرة الشمال الثالثة بين ثلاثة طامحين، وهم سمير جعجع وسليمان فرنجية وجبران باسيل.
لكن ثمة نزاعاً رئاسياً آخر مكتوماً، وضوضاؤه أقل، ولو ضمن تحالف واحد، وهو تحالف المعارضة بين ميشال معوض وسامي الجميل ونعمة افرام. الى جانب سباق بين تحالف «المعارضة» وتحالف «التغييريين» الذي يبدو انّه لن يكشف عن وجهه قبل نهاية الشهر الجاري، مع عدم إغفال اللوائح التي ستحمل اللون الازرق، ولكن من دون أعلام في الساحة السنّية.
لأجل ذلك كلّه، فإنّ الهدوء قد لا يطول كثيراً.