هل تتعلّم المعارضة من درس نقابة المحامين؟
كتبت كلير شكر في نداء الوطن: بمقدار ما كانت انتخابات نقابة المهندسين معبّرة بتجربتها ونتائجها لكونها شكّلت نموذجاً لما يمكن للحالة الاعتراضية أن تحققه في ما لو نجحت في أدائها وفي تقديم نفسها حالة بديلة للسلطة القائمة، كذلك كانت انتخابات نقابة محامي بيروت معبّرة في درسها: الانقسامات وتعدد الترشيحات ستقضي على الحالة الاعتراضية.
في الواقع، حين قررت القوى الجديدة ذات الخطاب المعارض مقاربة الاستحقاق النقابي في نقابة محامي بيروت، بدت الخلافات عميقة وكثيرة لدرجة عدم القدرة على معالجتها. والأرجح أنّ بعض هذه المجموعات لم يستيقظ من "سكرة" النجاح الذي حققته المعارضة في نقابة المهندسين، وقبله في نقابة المحامين في بيروت. فظنّ أنّ تشتت أصوات هذه القوى قد لا يبطل قدرتها على تحقيق الفوز، حتى لو تعددت الترشحيات الآتية من الخندق ذاته، وأغفل أنّه للتمكن من تكرار تلك المشهدية ثمة قواعد معروفة ومحددة لا يمكن تجاوزها، ولعل أهمها "المشروع الواضح". ولهذا، توزعت أصوات المحامين المعترضين بين ثلاثة محاور: "مجموعة الكتائب"، "مجموعة الكتلة الوطنية"، ومجموعة اليسار المتفاهمة مع "مواطنون ومواطنات"، بعدما فشلت كل مساعي الاتفاق على مرشح واحد (عطّلت احدى المجموعات تفاهماً كان تمّ التوصل اليه لتبني مرشّح توافقي)، وتبادل الثلاثة رفض التنازل عن مرشحيهم ولو أنّ اثنين من مرشحي المعارضة كانا بحاجة الى اجماع لكي يفوزا، فيما التحالف مع "الكتائب" كان أشبه بشوكة في حلق بعض المجموعات المعارضة لا سيما اليسارية منها، ما حال دون التفاهم على مرشحها، على عكس ما حصل في نقابة المهندسين حين تبنت القوى المعارضة اليمينية مرشح اليسار.
فكانت تعددية الترشيحات. وهنا الخطأ الجسيم الذي وقعت فيه هذه التنظيمات في لحظة شديدة الحساسية حيث تحاول في ما بينها العمل على توحيد جهودها وقواها لمواجهة الاستحقاق النيابي ضمن مشروع واحد. وقد أدت هذه التعددية الى انكفاء بعض المحامين عن ممارسة حقهم الانتخابي أو الاقتراع على أساس العلاقة الشخصية، ولو أنّ "نفسَهم" معارض.
وبالفعل، فقد كان درس نتائج نقابة المحامين في بيروت مدوياً، ليذكّر هؤلاء بأنّ الرأي العام لا يبحث عن مزيد من الأطر التنظيمية أو الأحزاب، وإنما عن مشروع بديل مقنع يتمتع بقابلية الحياة والتنفيذ، بمعزل عن الأشخاص الذين يحملونه. ولهذا لربما، نجحت الحملة الدعائية - السياسية التي نُظمت بهدف تشجيع غير المقيمين على تسجيل أسمائهم للمشاركة في الاستحقاق النيابي، ولو أنّ منظّمي هذه الحملة لم يكونوا في الواجهة، ولم يكونوا جهة واحدة، لكن العنوان الذي عبر القارات الخمس، كان واحداً: التسجيل ثم التسجيل. وهذا ما أدى إلى تكوين موجة كبيرة ساهمت في تسجيل حوالى ربع مليون لبناني في رقم صدم كل القوى السياسية الحاكمة، والأرجح أنه زرع القلق في نفوس هذه القوى. مع العلم أنّ بعض المجموعات المعارضة تشير إلى أنّ الهدف كان الوصول إلى أكثر من 300 ألف ناخب غير مقيم.
وعليه، يقول أحد الناشطين في المجموعات الاعتراضية إنّ النتائج التي فرزتها صناديق المحامين، ستكون درساً مهماً لهذه المجموعات لتعيد النظر في كيفية تعاطيها مع الاستحقاق النيابي من باب احترام خصوصيات كل دائرة أولاً، والاقتناع ثانياً أنّه لا يمكن لأي فريق أن يتفرّد بالقيادة، وأنّ تقديم مشروع موحّد هو المعبر الإلزامي لخوض المعارك النيابية بجدارة بغية تحقيق نتائج مهمة... وإلا فإنّ الخلافات وتشتت الأصوات ستقضي على الفرصة المتاحة أمام القوى المعارضة. وهي فرصة جدية.
ويكشف أنّ الاجتماعات التحضيرية بين هذه القوى قطعت شوطاً مهماً في التفاهم على كيفية خوض الاستحقاق النيابي، وأهم شروطها تأليف لوائح مشتركة وصياغة مشروع مشترك. في المقابل، يقول ناشط آخر إنّ التقدّم المحقق إلى الآن لا يزال ما دون الطموحات، خصوصاً وأنّ انضمام الكتائب إلى التفاهم يلاقي اعتراضاً من جانب المجموعات اليسارية. ولهذا ثمة مخططان لمواجهة الاستحقاق النيابي: إما التمكّن من رسم مشهدية واحدة على طول الخريطة الانتخابية سواء من خلال لوائح موحدة ومشروع واحد، وهو احتمال ضعيف، وإما التفاهم على تجنّب الالتقاء المباشر بين الكتائب والمجموعات اليسارية في الدوائر المشتركة، مقابل عدم الاصطدام والاشتباك وتأليف لوائح منافسة.