والآن... هل ستُجرى الانتخابات؟
كتب طوني عيسى في الأخبار:
في اعتقاد المتفائلين أنّ «انعدام القرار» في المجلس الدستوري هو إشارة إيجابية للرغبة في إجراء الانتخابات النيابية، من دون توترات تُذكر. فالمجلس فتح الباب لمَخرج «على الطريقة اللبنانية»، وانتزع الفتائل التي كانت ستفجِّر الوضع السياسي لو تمَّ الطعن بقانون الانتخاب. وإذ هُزِم فريق الرئيس ميشال عون في مسألة اقتراع المغتربين، فإنه سيفوز على الأرجح بإجراء الانتخابات في موعدها الأساسي، في أيار.
المتفائلون يقولون إن القوى الدولية نجحت في تهديد منظومة السلطة في لبنان من مغبة تطيير الانتخابات، وفي التحذير من اعتبارها «مارقة»، إذا ارتكبت هذا الخطأ، لأنه سيقود إلى انعدام الاستقرار سياسياً ومالياً ونقدياً واجتماعياً، وحتى أمنياً. والتحذير الأميركي الأخير للبنان من اعتباره «دولة فاشلة» كان ذروة التهديدات.
القوى الدولية تراهن بقوة على الانتخابات النيابية لاعتقادها أنّ ذلك سيكون أداة التغيير الوحيدة المتاحة سياسياً، بعدما أظهرت الانتفاضات تعثّرها في تحقيق هذا الهدف. وفي المغزى السياسي، هي تريد رفع قبضة إيران عن القرار اللبناني، من خلال «حزب الله». ويراهن بعض القوى الدولية على دور أساسي سيضطلع به المغتربون في هذا الشأن، لأسباب عدّة أبرزها:
1 - انّ التركيبة السياسية لدى غالبية هؤلاء المغتربين بعيدة عن «الحزب»، خصوصاً في ما يتعلق بالبيئات غير الشيعية.
2 - ان الاقتراع سيُجرى في منأى عن سيطرة «الحزب» الأمنية.
3 - ان حجم المقترعين (قرابة ربع مليون) لا يمكن إهماله، وهو كفيل بإحداث تغييرات ملموسة في العديد من الدوائر.
وهذا التغيير المحتمل في الدوائر الـ15 هو الذي أوقعَ منظومة السلطة في الإرباك بين خيارين: هل يكون أكثر «أماناً» لها إقحام أصوات المغتربين في كل الدوائر، فتضيع وتفقد فاعليتها، أم الأفضل إبعاد «خطر» هذه الأصوات وحَصرها في دوائر محدَّدة بالمغتربين؟
في أي حال، ومن باب المعلومات، وعلى رغم ما جرى في المجلس الدستوري، لم تنتزع قوى السلطة تماماً من خياراتها فكرة تطيير الانتخابات، إذا وجدت نفسها محشورة فعلاً بها سياسياً. وهناك ذرائع وافرة جاهزة لتحقيق هذا الهدف، أوَّلها فقدان التمويل وعجز كلٍّ من الدولة والناخب والمرشح عن القيام بالدور الواجب. وثانيها استشراء جائحة «كورونا». وطبعاً، يبقى العامل الأمني قائماً دائماً وغبّ الطلب طبعاً.
ولكن، ما الذي تريده قوى السلطة من الإيحاء باستعدادها للتجاوب مع مطالب القوى الدولية، لا سيما الأميركيين والفرنسيين والعرب، تحت ضمانة الأمم المتحدة؟
يقول المطلعون إن النافذين في لبنان يريدون إقناع المجتمع الدولي بأنهم مستعدون للاستجابة لمطالب الإصلاح، بهدف الحصول على مساعدات مالية تحتاج إليها منظومة السلطة حالياً، وبشكل طارئ، لئلا تسقط نتيجة الاهتراء الشديد الذي أوصلت نفسها إليه، وتحت ضغط الحصار والعقوبات التي تفرضها القوى الدولية والجهات المانحة عليها.
وتحديداً، تسوِّق هذه المنظومة أنها على استعداد للسير في البرنامج الإنقاذي الذي يريده صندوق النقد الدولي، وأنها تُوافِق على التدقيق في كل المرافق وإصلاح الخلل. وفي هذا السياق، يبدو مفهوماً لماذا تتسارع القرارات والإجراءات المفاجئة وغير المفهومة، خصوصاً في المجالات المالية والنقدية والاجتماعية، لا سيما تسارُع الاتجاه نحو توحيد سعر صرف الليرة.
في السياق إيّاه، يتوقع المطلعون أن يُبدي الجانب اللبناني ليونة في مفاوضات الناقورة، بحيث يقترب من الطرح الأميركي القائل بالإسراع في تقاسم مخزونات الغاز بين لبنان وإسرائيل، بوساطة واشنطن ورعاية الأمم المتحدة، على أن تدور بعد ذلك مفاوضات هادئة حول ترسيم الحدود البحرية.
المفتاح هو حاجة لبنان إلى الإفراج عن المساعدات من صندوق النقد ومؤتمر «سيدر». وكلام حاكم المصرف المركزي رياض سلامة عن حاجة لبنان إلى ما بين 12 مليار دولار و15 ملياراً هو بالضبط الرسالة التي تريد قوى السلطة توجيهَها إلى المجتمع الدولي. واستتباعاً، هي تحاول إجراء مقايضة:
نتجاوب مع مطالبكم بالإصلاح ونجري الانتخابات في موعدها، إذا سارعتم إلى إنقاذنا بالمال من الصندوق والبنك الدوليين والدول المانحة، الأجنبية والعربية. ونحن نتعهد لكم بتسهيل كل الإجراءات التي تَحولُ دون أن يصبح لبنان بؤرة لزعزعة الاستقرار الإقليمي والدولي.
ولكن، ثمة مَن يخشى أن تمرّ هذه المناورة على القوى الدولية كما مرّت أخرى. فقوى السلطة تمكنت من «تطويع» الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بعد إنهاكه، ودفعته إلى التنازل والتعاطي معها مجدداً. وكذلك، هي جعلت غوتيريس يعترف بها ويحاورها.
وكذلك، قد تقوم قوى السلطة باستغلال الرغبة الدولية في الحفاظ على استقرار لبنان لتمارس «الدلع» أو الابتزاز بمليارات الدولارات. وبعد ذلك، يكون أمامها الوقت اللازم لتختار إذا كانت مصلحتها في إجراء الانتخابات أو في تطييرها. وفي أي حال، لن يكون أحد قادراً على محاسبتها.
الكلام المتداول في بعض الأوساط الدولية مفاده أن أي فرصة جديدة لن تعطى للبنان من دون مقابل، ولا في شكل متسرّع. وعلى العكس، منظومة السلطة هي التي ستدفع أولاً، وبعد ذلك ستنظر القوى الدولية والجهات المانحة والخليجيون العرب في ما يمكن تقديمه من مساعدات. فزمن تسليف لبنان مجاناً وبلا حساب ولّى إلى غير رجعة.